من منا لم يطرح هذا السؤال عندما كان صغيرا : لماذا الدول والحكومات لا تطبع النقود بشكل كبير وتوزعها على الشعب ليصبح الكل غني وينعدم الفقر ؟؟ لماذا لا تطبع الدولة عملات نقدية كافية لتصبح غنية ؟؟ لماذا لاتطبع النقود بشكل كافي ؟؟
لماذا الدولة لا تطبع عملات كثيرة وتوزعها على الشعب ؟
عدد كثير من الناس يعتقد بوجود هيئة أو لجنة دولية او أممية في كل الدول تراقب عملية طباعة النقود ، وأن وظيفة هذه الهيئة أو اللجنة هي تحديد ومراقبة كمية وعدد من النقود او العملات لطباعتها كل سنة او كل مدة معينة ، وهذا اعتقاد منتشر وشائع لكنه خاطئ تماما ، عدد آخر من الناس يظن أن طباعة النقود أو العملات بشكل عام في كل الدول ترتبط بكمية الذهب الموجودة في خزينة كل دولة أو احتايطها من الذهب ، يعني ، بمقدار ما عند الدولة من ذهب يتم طباعة النقود ، حينما ينفذ هذا الذهب لا تستطيع الدولة ان تطبع اي نقود ! ، حاليا هذا الاعتقاد ايضا خاطئ ! ، هذا النظام ” نظام الذهب ” كان معمول به في الماضي ، لكن انتهى العمل به حالياً !
إذن ، تحت أي معيار يتم طباعة النقود وما النظام المتبع في ذلك !؟ ،
آليات طباعة النقود في نظامنا الاجتماعي و آثار ذلك المجتمع
يعتقد البعض بأن هناك جهة دولية تراقب طباعة النقود لكل دولة، ولا تسمح هذه الجهة بأن تقوم الدولة بطباعة ما تريد من نقود، و يعتقد البعض الأخر أن طباعة النقود تتم على أساس ما تملكه الدولة من ذهب، أو أن البنك الدولي هو من يقرر ذلك لكل دولة، والكثير من هذا الكلام نسمعه أحيانا حتى من أناس يفترض أن لديهم المام بالاقتصاد.
و يبدو أن الجهل الواسع المنتشر حول النقود هو جهل مفتعل و مقصود، فحتى الطلبة الذين يدرسون الاقتصاد في العديد من الدول لا يتعرضون على دراسة النقود من حيث منشأها بل يدرسون تفاعلاتها مع الاقتصاد و يتم تجنب التعمق و شرح تفاصيل منشأ النقود بشكل واضح.
النقود في الماضي كانت نقود حقيقية مثل: الليرة العثمانية المجيدية، والتي كانت متداولة في سوريا والعراق قبل الحرب العالمية الأولى، وكذلك الجنيه الإنجليزي الذهبي (يساوي قيمه الذهب المسكوك منه) والروبية الهندية الفضية …الخ. هذه النقود كانت عبارة عن معادن مسكوكة كانت تحمل قيمة في ذاتها. أما النقود في عصرنا الحالي فهي لا تحمل قيمة في داخلها بل الثقة في حصول الناس على أشياء مقابل هذه العملات، و أكثر من 97% من العملات الصعبة تحولت الأن الى أرقام موجودة في الحواسيب في العالم الأفتراضي و هي نقود رقمية.
جميع النقود المطبوعة من أوراق أو معادن أو تلك التي في الحواسيب تعتمد قيمتها على ثقة الناس أولا و من ثم على كمية ما يعرض منها في الأسواق.
يعتقد الناس في الكثير من الدول العربية إنهم لا يدفعون ضرائب، و لكن في الحقيقة فأن الأنظمة في الدول العربية تقوم بتمويل برامج المعونات والمساعدات و تدفع رواتب موظفيها و جميع نفقاتها الاخرى من الأموال التي تستحصلها جزئيا من الضرائب التي تأخذها من استثماراتها هي في إنتاج الخامات كالنفط و غيرها في القطاع الحكومي أو تجني الضرائب من الشركات الأهلية أو عن طريق الضريبة المخفية الا وهي طبع النقود.
الضرائب التي تحصل عليها الدولة من شركات القطاع الخاص هي قليلة في العادة بسبب الفساد حيث يتهرب أصحاب الشركات بآلآف الطرق منها، و هي بالنهاية تضاف الى أسعار المنتجات و يدفعها ذوي الدخل المحدود في نهاية المطاف، الشكل الأساسي من الضرائب التي تؤخذ من المجتمع هي عبارة عن اعتماد طبع النقود، عندما تطبع الدولة النقود أو تقوم البنوك بخلقها من لا شئ فان ما يقومون به في الواقع يؤدي الى تدهور قيمة النقود و هو الاسم العلمي لكلمة الغلاء الذي يفهمه و يستخدمه الناس، أي أن الراتب الشهري يكفي لشراء أشياء أقل من السابق، أي أن الراتب الفعلي أصبح أقل برغم أن الأرقام لم تتغير. و هذه النقود الجديدة التي طبعتها الدولة تأتي من محفظة المواطنين، الذي يحصل هو إن الطبقات الأكثر ثروة في المجتمع يزدادون ثراء والطبقات المتوسطة الوسطى يدفعون قسما من هذه النفقات و يصبحون أكثر فقرا و يحولون الجزء الباقي الى ذوي الدخل المحدود الذين هم تقريبا يدفعون الفاتورة الكبرى. المعدمين يحصلون على ما يكفي لبقائهم أو لا يحصلون على أي شئ و يسحقون نهائيا.
قواعد طباعة النقود :
طباعة النقود من قبل البنك المركزي عملية فنية معقدة اقتصاديًا. فكل وحدة نقدية مطبوعة لا بد أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي، أو سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها في المجتمع، حتى تكون النقود المتداولة في السوق ذات قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق مطبوعة.
وفي حالات الدول النامية عادة ما يتم تجاوز هذه القواعد، ويتم طباعة نقود بمعدلات تفوق المسموح به، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
باختصار ، الدولة غير مقيدة بشيء دولي او عالمي. لكل دولة الحق في طباعة النقود والاموال الكافية التي تريدها والتي تراها مناسبة لاقتصادها ، المهم لها الحرية التامة في طباعة النقود ، على سبيل المثال من حق دولة معينة في ان تطبع الكمية التي تريدها من النقود !… حسناً، اذا كانت المسألة على هذا النحو ، فلماذا الحكومات والدول لا تطبع عدد كبير من النقود والعملات وتوزعها على الشعب وتنعش الاقتصاد ليصبح الكل غني وتصبح الدولة غنية ؟
الجواب اقتصاديا يتمثل في أن ضخ العملات النقدية في السوق من قبل الدولة يجب ان يتناسب مع حجم الاقتصاد ومع حجم النمو الاقتصادي ، اذا تم ضخ عملات نقدية أكبر من حجم الاقتصاد ( السلع والخدمات والعوائد الموجودة بالدولة ) ، تقل القيمة الشرائية للعملة وترتفع الاسعار ويرتفع معها التضخم وتصل الدول لحالة من اللاستقرار الذي يجرها إلى الانهيار الاقتصادي و تنهار معه البنية الاجتماعية وباقي القطاعات …
هذا المشكل حدث بالفعل وبشكل تقريبي لدولة زيمبابوي ، حيث وصل التضخم فيها أكثر من ستة آلاف مليار (رقم 6 وبجانبه 21 صفر)، وتمت طباعة أوراق نقدية قيمة الواحدة منها 100 مليار ، قاموا بطباعة عدد لا نهائي من العملة، ووزعوه على المواطنين، فقدت العملة قيمتها بشكل كامل تقريبا، وفي عام 2009 تم التوقف عن استخدام عملتهم وبدأوا باستخدام عملات دول أخرى. كما أن دولة معينة عندما تريد أن تتعامل مع دولة أخرى يتم التعامل بالدولار أو الاورو ولا يتعاملو بالعملات المحلية ….
هذه الصور توضح ما وصلت اليه الامور في دولة زيمبابوي بسبب المبالغة في طبع النقود.
على أي أساس يتم طبع العملات؟؟ وكيف يُحدد سعرها؟؟
قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد أن تأكد الحلفاء من النصر اجتمع في منتجع بريتون وودز في ولاية نيو هامبشير بالولايات المتحدة عام 1944 ممثلون من 44 دولة لوضع إطار لنظام مالي عالمي جديد لتجنب اضطرابات نقدية وتجارية سادت في سنوات الحرب، وقيل إنها كانت أحد أسبابها.
وخرج المجتمعون بعدة قرارات أهمها:
-أن نظام تعويم سعر الصرف الذي ساد في الثلاثينيات مثل عائقا للتجارة والاستثمار وأسفر عن حالة من عدم الاستقرار.
-أن نظام تقويم أسعار العملات بالذهب (معيار الذهب) والذي ربط العملات بصورة دائمة بالذهب كان نظاما صارما.
-إن لم يكن بإمكان العملات تعديل أسعارها بحرية فإنه يجب أن تكون هناك طريقة يمكن الاعتماد عليها للتأكد من أن لدى كل دولة احتياطيات كافية من الذهب أو الدولار لضمان عملاتها. وسوف يتم إنشاء صندوق للسيولة لخدمة هذا الهدف.
-لن تكون هناك عودة للأسس الاقتصادية والاتفاقات التجارية الثنائية التي عقدتها ألمانيا النازية ولن يكون هنالك أيضا عودة لسياسة الأفضلية الإمبريالية. وهو مصطلح ظهر نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ويعني ربط الإمبراطورية عن طريق فرض ضرائب أقل على الواردات من المستعمرات دون غيرها.
-يجب أن يتم تنظيم التعاون المالي والنقدي الدولي عن طريق مؤسسة دولية.
وبناء على الاتفاقية تم إنشاء صندوق النقد الدولي لضمان وصول الدول الأعضاء إلى الأموال للمساعدة في ربط قيمة عملاتها.
وقامت الدول الأعضاء بالمساهمة في الصندوق بناء على حجم اقتصاداتها ويمكن لها السحب من الصندوق بالتناسب مع حصصها عندما تحتاج إلى احتياطات لمساندة عملاتها.
وكان إنشاء الصندوق مخرجا اقترحه الأميركيون لحل مشكلة السيولة.
استقرار أسعار الصرف
ووافقت الدول الأعضاء بين عامي 1945 و1971 على المحافظة على أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار في وقت كانت أوقية الذهب تساوي 32 دولارا.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنه تم ربط قيمة عملتها بالذهب، لكنها حصلت على امتياز لتغيير قيمة الدولار من أجل تعديل ضروري في ميزان المدفوعات بعد صندوق النقد الدولي.
ويعرف هذا النظام بنظام بريتون وودز وقد استمر حتى عام 1971 عندما قررت الحكومة الأميركية وقف تحويل الدولار واحتياطيات الدول الأخرى من الدولار إلى ذهب.
ومنذ ذلك الحين ظلت الدول الأعضاء في الصندوق حرة في اختيار أي نظام لتسعير عملتها مقابل العملات الأخرى، عدا اللجوء إلى الذهب.
وفضلت الدول هذا النظام إما لأنه يسمح لها بطبع المزيد من الأوراق النقدية للاستخدام المحلي أو لأنه لا يوجد لديها عملات أجنبية كافية لشراء الذهب.
وطبقا لفك الارتباط هذا فقد أصبحت العملة تتحرك بحرية أو ما يسمى بالتعويم، ويمكن أيضا ربطها بعملة أخرى أو بسلة من العملات، ويمكن لدولة تبني عملة دولة أخرى، أو أن تسهم في كتلة واحدة من العملات مع دول أخرى.
وفي العام 1971تم فك ربط الدولار باحتياطي الذهب .
كيف يتم تسعير العملة؟؟
بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب عام 1971 دخل العالم مرحلة تعويم العملات بمعنى أن قيمة العملة يمكن أن تزيد أو أن تنقص كل يوم عن اليوم السابق.
لكن ما العوامل التي تحدد صعود أو هبوط قيمة العملة؟
إن الجواب على ذلك هو في شراء الدول من كل أنحاء العالم عملات الدول الأخرى.
ويستمد الدولار الأميركي قوته من حجم الإقبال على شرائه لاستخدامه عملة احتياطية أو لتسديد ثمن تجارة، وفي حال توقف المستثمرون عن شراء الدولار فإن قيمته تنخفض بشكل حاد.
ومنذ تخلي الدول عن معيار الذهب هبطت احتياطياتها من الذهب إلى حد ما، وتم استبدال عملات دول أخرى به مثل الدولار وغيره.
الاحتياطي دعم للعملة
تنبع أهمية احتياطيات الدول من العملات الأجنبية من دعم العملة المحلية وثانيا في تسديد الديون الدولية.
ويمكن لأي دولة الاحتفاظ باحتياطياتها من أي عملة أجنبية تريد أن تحدد مقابلها سعر صرف عملتها. فمثلا إذا حددت دولة ما سعر صرف عملتها مقابل الدولار بأربعين ليرة فإنه يجب عليها الاحتفاظ بدولار واحد مقابل كل أربعين ليرة تقوم بطباعتها، ما يعني أنه يجب الاحتفاظ باحتياطيات من العملة الأجنبية تكفي لتحويل كل العملة المحلية على أساس سعر الصرف المحدد.
وبمعنى آخر إذا افترضنا أن دولة ما تمتلك أربعة تريليونات ليرة فلكي تحافظ على سعر عملتها بأربعين ليرة للدولار فإنه يجب أن تحتفظ بمائة مليار دولار من الاحتياطيات.
ويتم تحديد سعر الصرف عن طريق واحد من ثلاثة أنظمة وهي الثابت والتعويم والتعويم تحت السيطرة.
وفي حال التعويم يتم خضوع سعر الصرف للعرض والطلب أما في الحالتين الأخريين فإن الحكومة أو البنك المركزي يحددان سعر الصرف.
العملة العالمية
لا يوجد اسم رسمي عالمي لعملة بعينها. وقد استخدم الدولار الأميركي خاصة، والجنيه الإسترليني واليورو والين عملات عالمية.
وبسبب كبر حجم السوق الأميركية كشريك تجاري، تشتري دول كثيرة أو تحتفظ بالدولار لتسديد ديونها للولايات المتحدة كما أن العديد من الدول يحتفظ بالدولار احتياطيا إضافيا إلى الذهب.
ومن الأسباب الأخرى للتوسع في استخدام الدولار أن أسعار العديد من البضائع التي يتاجر بها عالميا يتم تسعيرها بالعملة الأميركية. وذلك يعني أن حجم التجارة بالدولار يجعل من العملة الأميركية العملة الأولى في العالم للتجارة والاحتياطيات.
وفي المقابل ما يجعل العملة أقل جذبا للمستثمرين الوضع الاقتصادي للدولة، إلى جانب عجوزات الموازنة العامة وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات وحجم الديون.
يستطيع الاحتياطي الاتحادي طبع كميات النقد التي يريدها
حرية طباعة النقد
تستطيع الدولة طباعة كميات النقد التي تريدها لكن لكي لا يأكل التضخم قيمة النقد تشرف البنوك المركزية على كمية المعروض النقدي.
وفي حال الولايات المتحدة فإن مجلس الاحتياطي الاتحادي يحدد أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للبنوك، وعلى أسعار الفائدة بين البنوك، ويتأكد من احتياطيات البنوك لتغطية حساباتها، ويراقب عمليات تحويل النقد بين البنوك والمؤسسات الأخرى وتحويل الأموال من عملة إلى أخرى.
لكن زيادة العجوزات تدفع الحكومات كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة إلى طلب المزيد من القروض من الاحتياطي الاتحادي بأسعار فوائد محددة ما يعني طبع المزيد من النقد وهو ما يهدد بارتفاع نسبة التضخم وانخفاض قيمة العملة عند سداد القروض.
وفي حال عدم وجود مشترين للدين الحكومي فإن سعر الدولار قد يتدهور مما قد يدفع البنوك خارج الولايات المتحدة إلى بيع الدولار ليضاعف الأزمة.
المصدر: الجزيرة ، مواقع ، المركز الصحفي السوري