مقترح وزير الخارجية الأميركي سيفتح المجال أمام روسيا لتوسع من وجودها في سوريا.
اقترب الموقف الأميركي في الحرب على تنظيم داعش كثيرا من المقاربة الروسية التي تتبنى إدماج الجيش السوري في تحالف دولي واسع، إذ دعا وزير الخارجية جون كيري أمس إلى نشر قوات برية سورية، “ومعها قوات عربية” لمواجهة التنظيم.
وتكون واشنطن بذلك قد استسلمت جزئيا لتحول كبير في نظرة حلفائها الأوروبيين من نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا بعد هجمات باريس التي راح ضحيتها 130 شخصا، وأدت إلى تحويل تركيز القوى الكبرى بشكل كبير لمحاربة داعش.
وقال كيري في العاصمة الصربية بلغراد خلال اجتماع وزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا “من دون إمكانية تشكيل قوات برية جاهزة لمواجهة داعش، لا يمكن كسب هذا النزاع بشكل كامل بالضربات الجوية”.
ولدى سؤاله في ما بعد عما إذا كان يقصد قوات برية من الغرب قال “أتحدث عن سوريين وعرب كما نقول دائما”.
وأوضح “إذا تمكنا من تنفيذ عملية انتقال سياسي، سيكون في الإمكان جمع الدول والكيانات معا: الجيش السوري مع المعارضة، الولايات المتحدة مع روسيا، وغيرهم سيتوجهون لمحاربة داعش”.
وعزز الرئيس الأميركي باراك أوباما من المقاربة المطروحة بالحديث عن تواجد عسكري لا يشمل قوات برية وعدم تكرار أخطاء غزو العراق.
وقال أوباما في مقابلة مع شبكة سي.بي.إس التلفزيونية “حينما قلت لا قوات برية على الأرض أعتقد أن الشعب الأميركي فهم بوجه عام أننا لن نسير نحو غزو للعراق أو سوريا على غرار غزو العراق بإرسال كتائب تتحرك عبر الصحراء”.
ومن المتوقع أن تكون القوات العربية المفترضة مع قوات خاصة أميركية وقال كيري قبل يومين إن واشنطن تفكر في إرسالها إلى سوريا.
وجاء هذا التغير الذي تتبناه الولايات المتحدة لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا قبل خمسة أعوام، على وقع انقسامات حادة بين الساسة الغربيين واستياء كبير اجتاح صفوف المعارضين لسياسة عدم التورط في مشكلات الشرق الأوسط التي يتشبث بها الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وانعكس ذلك على خطاب حماسي ألقاه هيلاري بن وزير الخارجية في حكومة الظل خلال ختام نقاش دراماتيكي استمر في مجلس العموم البريطاني لأكثر من عشر ساعات حول مشاركة بريطانيا في الحرب على داعش في سوريا.
ووضع الخطاب حزب العمال المعارض في مرمى الانقسام، إذ يصر جيرمي كوربين زعيم الحزب على موقفه الرافض لإشراك بريطانيا في الحرب.
لكن الفكرة الأميركية بإيلاء مسؤولية مكافحة داعش لآخرين، تغري أيضا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي قال أمس إن هناك نحو 70 ألف مقاتل من مسلحي المعارضة المعتدلة في سوريا وإنهم مستعدون لدحر الدولة الإسلامية بدعم من الضربات الجوية التي تنفذها القوات الأجنبية.
وقال مراقبون إن تشكيل قوات عربية وسورية سيكون صعبا إذا لم تتضح معالم الحل السياسي في سوريا، وإن استمرار الغموض حول مصير الأسد سيعيق بناء تحالف يضم مقاتلين من المعارضة إلى جانب قوات الأسد، فضلا عن إرسال دول عربية لقوات إلى سوريا وهي في خلاف مع الأسد.
وتعول واشنطن على المباحثات الدولية من أجل التوصل إلى حل توافقي حول مصير الأسد، وتدرك أنه من دون هذا الحل لن تكون هناك أرضية مشتركة تدفع القوى الإقليمية المتنازعة إلى العمل على جبهة واحدة.
وسيكون بوسع روسيا حينها أن توسع من وجودها في سوريا من بين القوى المشاركة.
وأعلنت موسكو أمس البدء بتجهيز قاعدة عسكرية ثانية لها في سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويتبنى عدد كبير من الفصائل المقاتلة السورية فكرا إسلاميا متشددا، مما يصعب من مهمة التعاون معها وهو ما يعني أن الإشارة الأميركية عن قوات “سورية” إنما تشير إلى وحدات من الجيش السوري الذي حافظ على ولائه للرئيس بشار الأسد.
وقال مراقبون إن الحديث عن قوات عربية لا معنى له تقريبا كما بينت حرب اليمن والتي لم يتصد لها سوى السعودية والإماراتية مع مشاركة رمزية من السودان وقطر والبحرين والكويت، في حين لم تقدم مصر إلا دعما بحريا محدودا في مراقبة تحركات السفن الإيرانية التي توصل السلاح إلى الحوثيين.
وتقوم خطة واشنطن على استقدام قوات من دول سنية إلى سوريا لمواجهة داعش في إشارة إلى احتمال زج بعض القطعات التركية في معارك في شمال سوريا في محاولة لمعادلة التواجد المتزايد لقوات إيرانية وميليشيات شيعية حليفة مثل حزب الله اللبناني.
وتأخذ فكرة تفويض قوات عربية لقتال داعش مدى أوسع في تصريحات المسؤولين الأميركيين، ولكنها تبقى نظرية طالما أن القوات المشار إليها غير موجودة عمليا.
العرب