منذ سيطرة فصائل المعارضة عليها خرجت محافظة إدلب من خطة وزارة الكهرباء التابعة لحكومة نظام الأسد، وحُرِم الأهالي من التيار الكهربائي الذي كان يصل لبيوتهم، كنوعٍ من العقاب الجماعي، إلا أن اتفاق “خفض التصعيد” الذي أقر مؤخراً، واضطرار النظام لإيصال الكهرباء من حماه إلى حلب عبر إدلب، سمح لمؤسسات المعارضة والمجالس المحلية بإعادة إصلاح الأعطال والاستفادة من خط الكهرباء القادم من مناطق سيطرة النظام ضمن اتفاق سمحت بالاستفادة منه لصالح الطرفين.
وينصّ هذا الاتفاق الذي تمّ مؤخراً، بين “هيئة إدارة الخدمات” في إدلب وممثلين عن حكومة النظام، على تأمين وصول التيار الكهربائي من حماه إلى حلب عبر محطة الزربة التي أعيدت صيانتها في مناطق المعارضة، مقابل السماح للقرى والبلدات المحررة التي يمر فيها التيار بالاستفادة منه لتشغيل وتغذية المرافق الأساسية.
وتعتمد الآلية الجديدة على تزويد محطات التغذية بـ400 ميغا واط، من خلال تشغيل محطة “الزربة”، التي تغذي مناطق سيطرة النظام أيضاً.
وفور تطبيق الاتفاق دعت المؤسسة العامة للكهرباء، التابعة لهيئة “إدارة الخدمات العامة في إدلب”، المجالس المحلية للتعاقد من أجل توصيل الكهرباء من “الخط الإنساني”.
وأشارت “هيئة إدارة الخدمات” في بيان لها، إلى أنها ستعمل مع المجالس المحلية، وستؤمّن أكبر قدر من الخدمات للمدن والبلدات، مضيفةً أنه “يحق لها قطع الكهرباء في حال حدوث مخالفات على خطوط الشبكة بما يخدم المصلحة العامة”.
وفي هذا السياق أعلن المجلس المحلي الموحد لجبل الزاوية وقرى سهل الروج بريف إدلب الجنوبي ، يوم 18 أيار الماضي، عودة التيار الكهربائي للمنطقة لأول مرة منذ ثلاث سنوات.
وأوضح طارق علوش رئيس المجلس الموحد في تصريح صحفي سابق أنّ الاتفاق حصل مع “إدارة خدمات إدلب” على إصلاح جميع الخطوط الواصلة من محطة الزربة بريف حلب الجنوبي وصولاً إلى محطة بلدة البارة، ثم تفريعها لتغطي بالوقت الحالي المشافي والأفران ومضخات المياه كخطوة أولى.
ووفقاً لـ علوش سيتم إيصال الكهرباء إلى منازل المدنيين في 23 قرية من قرى جبل الزاوية وسهل الروج، بعد انتهاء الورشات من صيانة الشبكة وكابلات التوتر والشبكات المنخفضة الواصلة إلى هذه القرى.
نظام التوزيع
تساؤلات كثيرة تدور حول هذا الاتفاق، وطريقة تطبيقه على الأرض، لاسيما مع الحاجة لوجود آلية لتوزيع التيار ومراقبة استهلاكه بما يؤدي لاستمراره.
ويشرح مسؤول قسم الكهرباء في مجلس مدينة كفرنبل، المهندس عبد الله جلل، آلية العمل هذه، مشيراً إلى أن “الكهرباء تدخل إلى محافظة إدلب المحررة، ابتداءً من محطة تحويل خان شيخون، ويتم تحويل استطاعتها لتصبح أعلى، ومنها تتغذى باقي محطات التوزيع، في كل من سيدا بريف معرة النعمان الجنوبي، والبارة بجبل الزاوية، ومحطة توليد مدينة إدلب”.
وأضاف جلل في تصريح لـ صدى الشام أن هناك كمية من الكهرباء متفق عليها سابقاً ( 60 ميغاوات لمناطق المعارضة و40 ميغا لمناطق النظام في حلب) ليتسنى للطرفين الاستفادة منها، واستدرك أنه “لا يمكن حالياً للأهالي استخدام التيار الكهربائي مثل السابق وذلك لعدم وجود إمكانية لضبط استجرار الكهرباء من الناس”.
وحول دور المجالس المحلية في تنظيم وصول التيار الكهربائي إلى الأهالي بالشكل المطلوب، أوضح مسؤول الكهرباء في كفرنبل أن هذا الدور يتمثل في صيانة الكابلات والأعمدة في المدينة، وإيصال خطوط الكهرباء إلى المنازل، وإعادة تأهليها قبل أن تقوم مؤسسة الكهرباء بإيصال التيار النظامي إلى مولدات المجلس المحلي.
وتمتلك معظم المجالس المحلية مولدات اشتراك بنظام الأمبير، وتقوم هي بنفسها أو بالاشتراك مع بعض أصحاب المولدات الخاصة، بإيصال التيار الكهربائي للناس، بحيث تزيد عدد ساعات وصول التيار عن السابق كلٌ حسب اشتراكه وبنفس التكلفة القديمة لقيمة الأمبير.
هذه الآلية الجديدة ستخفف – وفق جلل- عن المواطنين الذين لا يستطيعون دفع سعر الاشتراك بعدد كبير من الأمبيرات، ذلك أن عدد ساعات التشغيل سيمنحهم الاستفادة القصوى لتلبية حاجاتهم.
ومن المتوقع أن لا يقل عدد ساعات التشغيل عن 10 ساعات يومياً بتكلفة بين 1500 إلى 2000 ليرة سورية شهرياً لكل أمبير، وتعود 60% من هذه العوائد إلى صاحب المولدة الذي يشرف على توزيع الكهرباء وجباية المال، بينما تستفيد مؤسسة الكهرباء من 40% لتغطية مصاريف الإصلاح.
في المقابل تبرز بعض العوائق في آلية التنفيذ بحسب جلل، أهمها “ضعف الشبكة بسبب الضغط على الاستهلاك، وتكرار انقطاعها نتيجة حالة الأسلاك، وضعف قدرة محطات التوليد، هذا بالإضافة إلى تحكم إدارة الخدمات في مناطق سيطرة النظام بهذا التيار”، حيث من المتوقع أن تكون “مستمرة طيلة مدة تشغيلها في محطة الزربة”.
انعكاسات على أكثر من صعيد
اعتمد سكان إدلب خلال سنوات الثورة السورية على مولدات تعمل بالوقود للحصول على تيار كهربائي، غير أن بعض المؤسسات الكبيرة كالمشافي والمخابز والمعامل ومضخات المياه، تستهلك كميات كبيرة من الوقود، ما يؤثر سلباً على حياة الناس وأسعار المواد.
وخلال الأيام الأخيرة أعلنت مؤسسة “إدارة الخدمات” في إدلب إعفاء جميع المرافق الخدمية العامة من أفران ومشافي وآبار مياه من رسوم الكهرباء.
وقال الناشط الإعلامي في بلدة حاس، أيمن قسوم، لـ صدى الشام إن نتائج هذا الإعفاء راحت تظهر بشكل واضح على حياة الناس نتيجة الاستغناء عن الوقود، فمعظم المواد التي تحتاج للوقود انخفضت أسعارها بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة نتيجة لتراجع تكاليف التصنيع.
وضرب قسوم بعض الأمثلة حيث “خفّض وصول الكهرباء المجانية من سعر ربطة الخبز بمقدار 25 ليرة للربطة الواحدة، كما بات يتوفر الثلج وانخفض سعره من 1000 ل.س إلى 600 ل.س لـ اللوح الواحد في شهر رمضان”.
وتسعى معظم المجالس المحلية حالياً للاعتماد على تغذية الكهرباء النظامية لتشغيل مضخات المياه بدلاً من المازوت ما سيسمح بتوفير مبالغ مادية كبيرة على المجلس المحلي.
وفي هذا السياق ذكر رئيس المجلس المحلي لبلدة كفروما، محمد الشرتح، في تصريح سابق أن البلدة أصبحت تستفيد من الخط الإنساني في تشغيل مضخات المياه لمدة 8 ساعات في اليوم الواحد.
وذكر شرتح أن “تكلفة تشغيل مضخات المياه عبر الخط الكهربائي الجديد (بمعدل 8 ساعات يومياً) تبلغ نحو 10 آلاف ليرة سورية يومياً، بينما تصل تكلفة تشغيل المضخات على المازوت ليوم واحد لنحو 90 إلى 130 ألف ليرة سورية بحسب سعر لتر المازوت”.
وبعيداً عن انعكاسات اتفاق تبادل التيار الكهربائي على الخدمات، يرى خالد سيد علي، من سكان مدينة إدلب أنّ عودة التيار الكهربائي إلى المدينة ولو بشكل جزئي “له قيمة معنوية كبيرة لدى الأهالي خاصة أنّه يترافق مع حملة إصلاحات كبيرة تعيشها إدلب”.
ولفت سيد علي إلى “ضرورة إنهاء تشتت المؤسسات في المحافظة بين الفصائل، حيث يحدث التنافس والتضارب أحياناً بين مؤسسات تتبع لحركة أحرار الشام الإسلامية وأخرى تديرها هيئة تحرير الشام” .
واعتبر سيد علي، أن ست سنوات من الحرب المتواصلة أنهكت الناس، وباتوا يبحثون حالياً عن قليل من الاستقرار بعيداً عن القصف والدمار والتهجير المتواصل، حسب قوله.
مشاريع بديلة
بالرغم من الفوائد الكبيرة التي جنَتها المنطقة بعد اتفاق تبادل التيار الكهربائي بين مناطق النظام والمعارضة إلا أن بعض المتابعين يشكك بإمكانية استمراره والتزام النظام بالوفاء بعهوده، لاسيما وأنه يحاول الظهور حالياً “بمظهر الراعي للمصالحات الوطنية”.
ويرى الناشط الإعلامي في إدلب حمادة الخطيب، أنّ هذا الاتفاق جيد لكنه عاجز عن تغطية كافة المناطق المحررة “لأن كمية الكهرباء المسموح بالاستفادة منها محدودة”، كما أنها تتوقف على “مزاجية مؤسسات النظام الذي لا يهمه مطلقاً انقطاع التيار الكهربائي أيضاً عن مناطق سيطرته في حلب”.
وشدد الخطيب في تصريح لـ صدى الشام على ضرورة اعتماد مؤسسات المعارضة على نفسها في توليد أو استجرار الطاقة الكهربائية، عبر مشاريع يكون لها الكلمة الفصل في التحكم بها.
وكانت “شركة الكهرباء القابضة السورية” التي تتبع لمجموعة “الشيخ للتجارة والمقاولات” أعلنت بداية العام الحالي أنها وقعت عقداً مع الحكومة التركية لإيصال الكهرباء للمناطق المحررة في الشمال السوري، حيث يجري العمل حالياً على تجهيز محطة توليد كهرباء ستكون على الحدود السورية التركية لضمان سلامتها، وفق ما أعلنه محمد غنوم أحد إداريي مشروع الكهرباء بمحافظة إدلب.
ويوضح غنوم أن الآلية تقوم على استيراد الكهرباء وتغذية الشبكات والمحطات في الداخل السوري بحيث تنتقل الكهرباء إلى باقي المناطق تدريجياً بعد إصلاح الأعطال في كل منطقة ومحاولة تغطية أكبر مساحة ممكنة وتغذيتها.
ورغم عدم تطبيق هذا المشروع حتى اليوم فعلياً على أرض الواقع، إلا أنه سيشكل بمجرد تنفيذه حلاً عملياً للتخلص من ابتزاز النظام، بالإضافة لتوفير القدر الكافي من الكهرباء لتلبية احتياجات سكان المناطق المحررة في الشمال السوري.
وبالتوازي تبرز الدعوات والمطالبات بتعميم تجربة مدن ريف حلب الشمالي مثل أعزاز وجرابلس والباب، التي وصلها التيار الكهربائي من الأراضي التركية، وتطبيقها في محافظة إدلب.
بدائل
لم يكن أهالي إدلب لينتظروا حلولاً نموذجية دائمة عبر السنوات الماضية، بل لجؤوا إلى بعض التجارب لتوليد الطاقة الكهربائية، في ظل غياب الوقود من جهة، وارتفاع أسعاره من جهة أخرى، وكان من بين هذه التجارب الاستفادة من طاقة الرياح، وألواح الطاقة الشمسية التي انتشرت بشكل واسع على أسطح المنازل وكانت حلاً لتشغيل بعض الأجهزة الأساسية في المنزل.
ومنذ سنوات يضطر الأهالي لدفع مبالغ طائلة شهرياً لأصحاب المولدات الكهربائية، يعجز عنها أصحاب الدخل المحدود (2500 للأمبير الواحد).
ونجحت بعض المجالس المحلية بفضل هذه الطاقة البديلة في إنارة شوارع العديد من طرقات المدن الرئيسية مثل كفرنبل وخان شيخون، وباتت اليوم تشكل مصدراً جيداً للعديد من الأهالي لتعويض النقص أثناء فترة الانقطاع.
وفي هذا السياق قال أبو محمد من مدينة خان شيخون، وهو أحد العاملين في مجال تركيب الألواح الشمسية، إنّ “ألواح الطاقة تعتبر حلاً بديلاً، وسعرها قد يناسب الجميع بحيث يتحكم المستهلك بالتكلفة حسب حاجته وقدراته المادية”، وأضاف أن “تكلفة مجموعة الطاقة الشمسية تتراوح بين 200 دولار إلى 1500 دولار حسب عدد الألواح وأنواع البطاريات”.
ويؤكد أبو محمد لـ صدى الشام أنّ الإقبال على تركيب الألواح يشهد تزايداً واضحا لاسيما في بدء فصل الصيف، إذ أنه بالإمكان الاستفادة من 9 ساعات كاملة من الطاقة، كما يمكن استعمال الفائض في المدخرات خلال الليل بحيث تكون قادرة على تشغيل عدد لا بأس به من الأجهزة.
إلا أن أبرز المساوئ لهذه الطريقة وفق أبو محمد، هو محدودية فعاليتها في فصل الشتاء، وحاجتها لصيانة دورية وتكاليف إضافية يتحملها المستخدم كل فترة نتيجة أعطالها المستمرة.
تجدر الإشارة إلى أن قطاع الكهرباء في محافظة إدلب يواجه مشاكل عديدة أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وكثرة الأعطال، ومع أن احتمالات تحسين الوضع حالياً يشكل حلاً مقبولاً ومرحباً به، فإنّ المرحلة المقبلة تحتاج وفق رأي الكثيرين لوضع خطط وحلول جدية وناجحة لتجاوز مشكلات الكهرباء خلال أقصر فترة ممكنة.
صدى الشام