تشتاق للذي رحل بعيدا عن عالمها تشتاق لمن واراه الثرى بلا رجعة ولا أمل لها بلقائه، تبقى ذكراه تتعبها وتؤرقها، الحنين والشوق إلى سماع صوته يشعرها بالعجز الشديد ويتوقف عنده الزمن، فهي ليست قادرة على المضي دونه ولا هي قادرةعلى نسيانه، المعادلة صعبة ومؤلمة جدا..
ليس أقسى على فتاةٍ جميلةٍ ذات ١٥ ربيعا بشعر أشقر، من رؤية أباها مسجّىً بلاحراك، تراه ولايراها تنظر إليه للمرة الأخيرة ولاتكاد تصدق ماترى، تحادثه دموعها الحائرة “بابا لاتتركني الدنيا مو حلوة بدونك ”
رحيل والد جميلة خلّف غصة في قلبها وحسرة في نفسها، فقد منحها كل شيء وكدح في سبيل راحتها وكم ضاقت به الدنيا من أجلها فهي منذ عَرَفَت الحياة وأبوها لها مصدر العطاء والاحتواء.
تبكي جميلة والدها بكاء مريرا تتجرع ألم الفراق تفتقده كثيرا رغم وجود الأحبة والأصدقاء، وكأن الدنيا اختصرت بأبيها، فكل دموع الدنيا لاتعزيها فيه وكل آلام الحياة ومعاناتها تهون أمام ألم فراقه ووداعه الأخير … تمسك جميلة يد والدها وكأن قهر الدنيا زُرِع في روحها المتهالكة تكلمه “بهون عليك يا بابا تتركنا مين رح يكون سندنا بعدك مين بدو يساعدنا بهالدنيا”، تصرخ جميلة “ماما عم حاكي بابا ماعم يرد عليي ”
تستذكر جميلة لحظاتها مع والدها كم هوّن عليها الصعاب، فرحته وقت رؤيتها وتفوقها ، فكم فاضت عيناه رحمةً بها كلما مَرِضت أو واجهتها مشكلة ، إنه السراج المنير في ظلمات حيرتها ودليلها في وِجهتها ومصدر قوتها على ضعفها …
تودّع جميلة والدها صيف عام ٢٠١٧ ودموع الألم تفيض من قلبها وتنهل من عروقها، فقد دفنت تفاصيل كثيرة بموت والدها ضحكته التي لاتغيب عن مخيلتها الماحية لأحزانها، ونظراته الحنونة تلك النعمة التي فقدتها، كلها ذكريات تفطر قلبها وشوقها له …
وفي الذكرى الأولى لرحيله ، تقصد قبر والدها في بلدة أطمة، تحدثه عن نجاحها وحياتها في غيابه ووعدها له بتحقيق حلمها لإكمال دراستها…تبعد جميلة بضع خطوات عن القبر لتلفت إليه بعينين كزرقة السماء، تطلق بعض الكلمات “”ماحدا متلك بابا ،كنت ورح تضل الأحلى والأجمل بقلبي”.
بقلم : خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع