“كاد المعلم أن يكون رسولا..!! لكنه في الشمال السوري لا يلاقي قوت يومه ولا يتقاضى على عمله أجراً، بل بات التعليم من المهن الغير مرغوبة بعد التهميش الكبير لدور المعلمين والتعليم وعدم دعم ذلك القطاع المهم” يطرح الاستاذ أحمد ذو الخامسة والعشرين عاماً الكثير من التساؤلات، تترجم على ملامح وجهه اليائس من الأحوال التي يعيشها هو وكثيرٌ من المعلمين في الشمال السوري.
لم تكن الظروف التي عاشها أحمد خلال سنوات دراسته الجامعية ملائمةً ومستقرة، وذلك بسبب الحرب التي شنتها قوات النظام السوري وروسيا على محافظة إدلب، تحديداً ريف إدلب الجنوبي والذي ينحدر منه أحمد ليعيش ظروفاً دراسية صعبة جداً من جميع الجوانب.
“بعد انتهائي من المرحلة الثانوية، قررت أن أكمل دراستي الجامعية في كلية اللغة العربية بجامعة إدلب، وذلك حباً وشغفاً في ذلك المجال، ورغم أن سنوات الدراسة الأربعة كانت طويلةً وشاقةً في كل المقاييس، إلا أنني مستمتعٌ بها، وكنت أشق الطريق نحوَ حلمي بالجمر والنار، وأبذل الغالي والنفيس للوصول إلى منصة التخرج”
منتصف عام 2019 شهدت محافظ إدلب أكبر موجة نزوح تشهدها سوريا خلال سنوات الثورة السورية، ومن بين أولئك النازحين كان أحمد وعائلته، خرجوا بحثاً عن الأمان وهرباً من الموت “كأنها القيامة، خرجنا ملهوفين نلملم بعض أغراض المنزل ونسيرُ نحو بلدة أكثر أمناً في الشمال السوري، وهنا كانت مفارقة كبيرة في حياتي، بين الحنين إلى الوطن ومصاعب النزوح، والدراسة الجامعية وصعوباتها”
“مع النزوح ازدادت المصاعب، فبعدما قمنا باستئجار منزل آخر في ريف إدلب الغربي كان علينا أن ندفع إيجاراً شهرياً بجانب القسط السنوي لدراستي الجامعية البالغ 150 دولاراً، عدا تكاليف الحياة اليومية، وأنا كنت أقول لا بأس، سأتخرج من جامعتي وأقدم العون لعائلتي عند حصولي على فرصة عمل مناسبة”
تخرج أحمد من الجامعة بمعدلٍ مرتفع، فرحته مع عائلته كانت لا توازيها فرحة، وهمته تعانق السماء “وأخيراً وبعد عناء أربع سنوات انهيت دراستي الجامعية، كنت سعيداً جداً، وأخيراً وصلت إلى أحلامي التي كنت أزرع كل خطوة فيها بالأمنيات والدعوات، وأقول سأصبح يوماً ما أريد، لكنني فوجئت بأن هناك مصاعب جديدة تواجهني بعد كل تلك المتاعب، وهي الحصول على فرصة عمل”
بعد البحث وطول انتظار، لم يجد أحمد فرصة عمل إلا تلك الفرص التي تندرج تحت مسمى التطوع، لينخرط فيها منذ أشهر طوال، على أمل أن تحصل المدرسة التي بات أحد معلميها دعماً من قبل إحدى المنظمات أو وزارة التعليم في إدلب، حاله حال آلاف المعلمين ممن يكدون ويشقون طوال النهار على بناء جيل كامل من أبناء المجتمع، وأن ينشروا النور والتعليم رغم ظروف الحرب القاسية هناك، لكن كل ذلك التعب لم يلق بالاً عند الداعمين.
“لم تكن الصعوبات وحدها في دراستي الجامعية، حتى وبعد تخرجي بدأت العمل كمتطوع وعليَّ قطع مسافة طويلة يومياً للوصول إلى المدرسة التي أُعلم فيها بحكم أنها في بلدة أخرى، وهنا زادت مصاعب الحياة، ومعها تزداد الآمال في تغيير أحوال المعلمين في الشمال السوري ممن يعملون طوال العام ولا يجدون راتباً شهرياً منصفاً ومعظمهم لا يتقاضون مرتبات مما يهدد قطاع التعليم بالخراب”
يذكر أن قطاع التعليم في الشمال السوري يشهد ضعفاً واضحاً وشرخاً كبيراً في جميع الجوانب، إذ أن الحرب السورية تسببت بتدمير عدد كبير بالمدارس يقدر بأربعة آلاف مدرسة دمرت بشكل كلي أو جزئي، في حين تقدر منظمة “اليونيسيف” أعداد الأطفال السوريين خارج مقاعد الدراسة بنحو 3.2 مليون طفل سوري، وأن مدرسة من بين ثلاثة مدارس غير صالحة للتعليم، بينما في الشمال السوري قالت “وحدة تنسيق الدعم” أن 175 مخيماً في الشمال السوري تحتوي على مدارس، في حين أن 1127 مخيما لا تحوي أي مركز تعليمي.
قصة خبرية/ إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع