بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
مازالت كرة الاتهامات والتخوين تتدحرج في #منطقة الخليج العربي مخلفة خسائر أخلاقية مدوية، وتخبط حكومي يكاد يصيب تلك الدول بالشلل التام.
بل أن الحكومات في دولتي الإمارات وقطر وتوابعهما في خضم الحرب الضروس، يطلقون النار على أنفسهم ضمن مهرجان انتحار جماعي الهدف منه إرضاء أمريكا، لتبقى الأخيرة داعمة لدولة معينة على حساب الدول الأخرى !!
فالدمى تتصارع في منطقة الخليج حول أحقيتها في استلام واشنطن خيوط (التحريك)، ولعل الرسائل المسربة من بريد سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة تؤيد تلك النظرة.
وكما كشفت الرسائل المسربة اتصالا إماراتيا أميركيا لمنع عقد مؤتمر لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة. ووفق الرسالة، قال السفير الإماراتي مازحا “ألا يجب تغيير مكان القاعدة الأميركية في قطر؟” !، والمقصود قاعدة العديد الأمريكية في قطر ( عين الشر في الوطن العربي ).
عندما تتهافت الضحايا إلى أحضان جلادها تستحق مايجري لها من تعنيف وذل وقتل في نهاية الأمر .
ويذكرنا اقتتال حكومتي الإمارات وقطر بقصة #الحمار و #الجزرة !! يحكى بأن فلاحا أحضر عصا طويلة ثم ربطها بعنق الحمار فأمتدت أمام رأسه مترا، و ربط فى طرفها أمام عين الحمار جزرة و رآها الحمار تتأرجح أمام عينيه فأسرع الخطى لينالها ولكنها لا تقترب كلما أسرع أسرعت و كلما أبطأ أبطأت و المسافة بين فمه و بينها دائما واحدة و لكنه ظل يدأب.
ويمكن إسقاط تلك المقولة مع تعديل طفيف على أبطال مقالنا اليوم، فالحمار أصبح حمارين، والفلاح هو واشنطن، والجزرة هي نيل رضا واشنطن من أجل زيادة دعم دولة عربية ضد الدول العربية الأخرى.
بيد أنه ليس من مصلحة واشنطن أن تمنح شعار القبول والرضا أو (الجزرة) لأحد على حساب الأخر، والهدف لكي تظل الحمير تجري إلى مالا نهاية.
وكما تحدثنا في مقالات عديدة سابقة بأن واشنطن تسعى دائما لاستنزاف الحلفاء والأعداء بآن واحد بما يتوازى مع خط سير أهدافها القريبة والبعيدة.
ولزيادة الفهم ينبغي علينا تذكر مقولة كيسنجر مهندس السياسة الخارجية الأمريكية، حيث قال ” ليس من مصلحة أمريكا حل أي مشكلة في العالم، بل من مصلحتها أن تمسك خيوط تلك المشلكة وتحركها بما يحقق المصلحة القومية الأمريكية ” .
وعلى غرار تلك النظرة النفعية الأمريكية فإ واشنطن ترفع أمام العالم شعار مكافحة الأرهاب، ولكن بالمقابل تستخدم الأرهاب لتنفيذ أجندة سياسية ( كحادثة برجي مركز التجارة العالمي ” نيويورك ” بتاريخ ١١ سبتمبر ، وماأحاط بتلك الحادثة بمئات إشارات الاستفهام، وماأستطاعت واشنطن من تحصيله عقب التفجيرات من قيادة دول العالم وسلب أموال الأفراد واحتلال دول معينة تحت مسمى مكافحة الأرهاب ).
وبالعودة إلى الاقتتال العربي العربي، وضمن فصول مسرحية الموت إرضاء لأعداء العرب !!
فإن المستغرب بالأمر هو تقاذف الكرة النارية والتي تتمثل بالتعامل مع الكيان الصهيوني بين الجانبين. ومن بين الرسائل المسربة جدول أعمال مفصل لاجتماع بين مسؤولين من الحكومة الإماراتية على رأسهم ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ومديرو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الموالية لإسرائيل، وهي مؤسسة نافذة لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث طلبت المؤسسة من العتيبة لقاء مع القيادي السابق بحركة فتح محمد دحلان.
ولكن السؤال العفوي لماذا تتهم دولة قطر الإمارات العربية المتحدة بالعمالة والخيانة عندما تتعامل الأخيرة مع مؤسسات الكيان الصهيوني ، بينما تعد قطر تل أبيب بالنسخة العربية ؟؟؟؟
فدولة قطر والإمارات تعد العلاقات مع إسرائيل من ضمن سياق النشاط الدبلوماسي لأي دولة من أجل حماية أمنها القومي ومصالحها.
وبمعنى آخر فإن التقارب مع الكيان الصهيوني يعتبر بالنسبة للأخوة في حكومة قطر والإمارات مجرد علاقات عابرة بين الدول ( مع اعتراف صريح من قبل أبوظبي والدوحة بأسرائيل كدولة وليست كمحتل لدولة عربية ).
ومن ناحية أخرى فإن الشهداء الفلسطينين يجب تسميتهم بشهداء النشاط الدبلوماسي العربي الإسرائيلي !!!
وبطبيعة الحال هناك سعي واضح من قبل واشنطن لتأجيج هذا الصراع بين دولتي قطر والإمارات، وذلك عن طريق العزف على أوتار الخلاف من خلال تقارير رسمية أو غير رسمية تدفع بالمشهد نحو مزيد من التعتيم والخراب.
وبينما تعد الدوحة تلك التقارير جملة من التلفيقات والأكاذيب للنيل من صمود الدولة، تعتبر الإمارات التقارير ذات مصداقية عالية تطلق من خلالها قذائف مدفعيتها الإعلامية، ولم يلتفت الطرفان إلى حقيقة ناصعة البياض بأن التقارير تحمل في طياتها معاني دفينة من شأنها زرع بذور الشقاق بين الدول العربية، كما أنها صادرة عن مؤسسات أمريكية وهذا يكفي للكشف عن ماجاء خلف السطور من نوايا.
ويجدر التنويه في سياق المقال بأن دولة قطر ضالعة في تمويل الإرهاب عبر مؤشرات كثيرة، تكاد بعضها نراها أمام أعيننا من خلال شعارات وولاءات بعض التنظيمات الأرهاربية المتشددة.
وبما أن الدوحة وأبوظبي تهرولان في الصحراء العربية لنيل شرف خادم واشنطن الأول، فالحري بنا أيضا أخذ بعض التقارير الأمريكية كمنصة للحقائق ومنبرا لايشوبه الشك.
فقد أدرج تقرير وزارة الخزانة الأميركية في عام 2013 رئيس منظمة الكرامة عبد الرحمن بن عمير النعيمي على لائحة الإرهاب. وبحسب الدراسة فإن قيادات في القاعدة تلقوا دعما من مانحين قطريين أو مقيمين في قطر ، ومن بين تلك المنظمات، منظمة الكرامة التي تمولها قطر والموجودة في جنيف.
كما تتهم المنظمة برعاية ودعم الإرهاب على المستوى العالمي، ورغم وقف تسجيلها في الأمم المتحدة عام 2011 لأتهامها بتمويل تنظيم القاعدة، إلا أنها مازالت تعمل بتمويل قطري.
لكن المحاولة لكسر الصدع بين دولتي قطر والإمارات جاء هذه المرة عن طريق موقع أمريكي مغمور يدعى إنترسيت ( INTERCEPT) .
وعلقت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية حول الموضوع كغيرها من الصحف، وخلصت الديلي بيست للقول بالنص:”مهما كان المقصود تحقيقه من وراء التسريبات ـ سواء عملية إلهاء، ربما عن موضوع أكبر مثل العلاقات بين الرئيس ترامب وروسيا ـ فإن محتواها لا يصل إلى مستوى “كشف الأسرار الهائل” الذي تشير إليه الرسالة المرفقة مع التسريبات “.
لكنها قالت (الصحيفة) إن الجهة المجهولة التي أرسلت لها الرسائل المقرصنة قدمت له بطريقة تغاير الواقع الموجود في الرسائل، وقال موقع الصحيفة إنه ليس أول منفذ إعلامي تحاول تلك الجهة إقناعه بنشر الرسائل، أو عمل قصة كبيرة منها”.
وإنترسبت موقع أطلقه مؤسس موقع التسوق “إي باي” قبل 3 سنوات، لا يستهدف التغطيات الصحفية، بقدر ما هو لنشر الإثارة لأغراض التسويق.
كما أن هذا الاقتتال بين الجانبين قد يسفر عن نتائح من شأنها الأضرار بمجلس التعاون الخليجي إلى حد تفككه، ولكن لن يضير المواطن العربي زوال مجلس التعاون الخليجي على الأطلاق !! فشأنه كشأن جامعة الدول العربية تأطر مأسينا ببضع كلمات لاتساوي قيمة حبرها.
كما يجب التنويه هنا بأن الخلاف بين قطر والإمارات لايعد باكورة الخلافات العربية ، فهناك الكثير من الأحقاد والضغائن تتوارى خلف تصريحات بعض الدول العربية. فالقائمة تطول والراعي الرسمي لتلك الخلافات واشنطن والدول الأستعمارية.
وبينما تقف الدول الغربية في صف واحد وقت الأزمات والشدائد، تقف الدول العربية كلا على ضفة يترصد الأخر.
ومن النافذة الغرببة (الأخوية) تقف فرنسا الغاضية من قرار بريطانبا الجائر تجاه وحدة المصير الأوربي وتصويتها للخروج من الاتحاد الأوربي، تتواجد فرنسا في لندن وتساند بريطانيا عقب الاعتداء الإرهاربي بالإمس. فقد صرح ماكرون الرئيس الفرنسي نحن مع بريطانيا أكثر من أي وقت مضى.
ومن منطلق العروبة والأخوة والروابط المشتركة في اللغة والدين والدم، نتمنى على دولتي قطر والإمارات فتح صفحة جديدة من العلاقات وعدم العودة إلى ذات البئر المقيت .
كما نستنكر غياب معظم الدول العربية عن لعب دور المصلح بين الدولتين واكتفائهم بالمشاهدة فقط !!