تقرير “مارتن جولوف-صحيفة الغارديان”
بين أحد قادة تنظيم الدولة الإسلامية دور النظام السوري ومخابراته في إرسال السوريين إلى التنظيم منذ قبل الثورة السورية ودور أمريكا بصناعة التنظيم.
ترجم المركز الصحفي السوري مقالا للكاتب “مارتن جولوف” في صحيفة “الغارديان البريطانية” قال فيها أن أحد كبار القادة في تنظيم الدولة الإسلامية قد صرح في مقابلة حصرية لصحيفة كيف ساهمت أمريكا والعراق في تكوين تنظيم الدولة “في صيف ٢٠٠٤، اقتاد الجنود شاباً جهادياً مكبلاً بالقيود الى داخل أسوار سجن بوكا في جنوب العراق. لقد كان متوتراً عندما اقتاده جنود أمريكيون عبر ثلاث بنايات ومن ثم عبر دهاليز مليئة بالأسلاك ليصل الى ساحة مفتوحة مليئة. بسجناء يرتدون زي السجن ذي الالوان الصارخة، ينظرون إليه بحذر وأعينهم تراقب تحركاته”.
وتابع الكاتب هذا ما قاله لي عند مقابلته الشهر الماضي “لقد تعرفت على بعضهم فورا كنت خائفا من سجن بوكا وبقيت أفكر فيه وأنا في الطائرة ولكنه كان أحسن مما توقعته”.
وعن هوية القائد قال الكاتب دخل قائد تنظيم الدولة الذي أعطاني الإسم الحركي أبو أحمد إلى سجن بوكا كشاب في العقد الماضي ولكنه الآن قيادي كبير في الدولة الإسلامية لقد حصل على رتبة رفيعة مع زملائه الذين قضوا السجن معه إن قصته لا تختلف كثيراً عن السجناء الاخرين الذين قبض عليهم الأمريكيون في المدن والقرى العراقية ثم نقلوهم بالطائرات إلى سجن مجهول في الصحراء الذي ساعد في تكوين أسطورة الوجود الامريكي في العراق”.
وبحسب الكاتب قال أبو أحمد: «كان السجناء يرتعدون خوفاً من سجن بوكا ولكن سرعان ما عرفوا أنه ليس سيئا للغاية حيث أنه كانت الفرصة الذهبية التي وفرها لهم السجن تحت قيادة الجيش الأمريكي لم يكن باستطاعتنا أن نجتمع في بغداد او في اي مكان آخر بهذه الطريقة». وأضاف «لقد كنا آمنين هنا في السجن الأوضاع خطرة للغاية خارج أسوار السجن ولكننا هنا على بعد بضعة أمتار من القيادة الرئيسية للقاعدة.»
التقى أبو أحمد بأبو بكر البغدادي للمرة الأولى وهو ما يعرف الآن بأمير الدولة الاسلامية والذي وصف بأنه أخطر رجل في العالم. قال أبو أحمد «لقد توجه السجناء إليه منذ البداية ولكن لم يتوقع أحد أن يصل الى هذا المنصب.»
ونوه الكاتب في مقالته كان أبو أحمد عضوا أساسيا في تشكيل الدولة الإسلامية أجبر على الانخراط في المليشيات وهو شاباً صغيراً بسبب الإحتلال الأمريكي الذي كان يريد تغيير القوى وإعطاء السلطة الى الأغلبية الشيعية على حساب السنة الذين كانوا القوة المسيطرة سابقاً وهو ما يعتقده أبو أحمد وآخرين حسبما قال الكاتب.
مضيفا “أن مشاركته في تكوين ما يعرف الآن بالدولة الاسلامية أدت الى حصوله على مركز رفيع في الخلايا المستجدة التي تسربت من الحدود السورية يعتقد العديد من زملائه أن تساقط النظام في المنطقة ساهم بإعادة طموحهم في العراق والذي يعتبر الهدف الغير محقق بعد ولكن الحرب في سوريا أعطتهم ميداناً جديداً.
وحول الطريقة التي تم الصول لها للقيادي أبو أحمد قال الكاتب “وافق أبو أحمد للتحدث معي بعد أكثر من سنتين من المشاورات والتي من خلالها أفصح عن ماضية وعن كونه جزأً رئيساً في أكبر شبكة مليشيات وعبر عن قلقه عن انتشار الدولة الإسلامية في العراق والشام وعن نظرة الدولة الاسلامية في المنقطة”.
لقد وافق أبو أحمد على التحدت مع صحيفة الغارديان بعد تفهمه لما آلت إليه الدولة الاسلامية وذلك من خلال جلسات مطولة من خلالها قدم معلومات وفيرة عن القائد الغامض وعن نشأة الخلية الإرهابية والتي تعود من سنة ٢٠٠٤ وهي السنة التي التقى فيها مع أبو بكر البغدادي في سجن بوكا وإلى عام ٢٠١١ عندما بدأ العراقيون المتمردون بعبور الحدود الى سوريا.
وقال الكاتب لقد أعاد أبو أحمد النظر في أفكاره بعد اندلاع الحرب في العراق وسوريا وفي الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط والتي ستستمر الى أجيالٍ قادمة مليئة ببحر من الدماء على أيدي رفاقه الأيديولوجيين وحشية الدولة الإسلامية تتزايد بشكل كبير حسب وجهة نظر أبو أحمد الذي بدأ بالتغير مع مرور الوقت حيث أعاد النظر حول تفسير القران وليس تطبيقه حرفيا”.
وحول أمير تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي قال أبو أحمد ولد البغدادي إبراهيم ابن عواد البدري السامرائي في عام ١٩٧١ في مدينة سامراء العراقية. ألقي القبض عليه من قبل القوات الامريكية في الفلوجة في شهر شباط ٢٠٠٤. قام بمساعدة تشكيل فصيل المسمى بجيش أهل السنة الجماعة والتي انتشرت بين الجماعات السنية الثائرة حول مسقط رأسه.
قال الدكتور هشام الهاشمي المحلل والمستشار الحكومة العراقية على ما يخص بالدولة الإسلامية لقد ألقي القبض عليه في منزل صديقه “ناصيف جاسم ناصيف” ونقل إلى سجن بوكا ولكن الأمريكيون لم يتعرفوا على هويته الحقيقة.
لقد وُزِعَ رفاق البغدادي السجناء والذين هم أكثر من ٢٤٠٠٠ سجين على ٢٤ معسكر وكل هؤلاء السجناء لم يعرفوا هويته الحقيقية.
كان السجن هرمي التقسيم وذلك يبرز من خلال ألوان زي السجناء حيث يتعرف السجانين من خلالهم على نوع التهمة.
قال ابو احمد: «اللون الاحمر للذين اقترفوا أخطاءً في السجن، والأبيض لزعيم السجناء، والأخضر للسجن الطويل الامد والأصفر والبرتقالي للسجناء العاديين. هذا حسب ما اتذكر.»
دخل البغدادي سجن بوكا وهو يناهز ٣٣من العمر وكان يشن حملة ضد الامريكيين والتي كان يحشد لها مليشيات من وسط وغرب العراق. إن الاحتلال الذي جاء متقنعاً بحرب التحرير أصبح استعمارًا طاحنًا. حرم أهل السنة من راعيهم صدام حسين وبدأوا القتال ضد القوات الامريكية وبعدها وجهوا بنادقهم إلى المستفيدين من إطاحة صدام حسين وهم الطائفة الشيعية.
تُعتبر مليشيات البغدادي إحدى عشرات المليشيات التي ظهرت من الجماعات تحت راية القاعدة في العراق ومن ثم تحولت إلى الدولة الإسلامية في العراق هؤلاء هم السلائف لما يُعرف الآن بالدولة الاسلامية والتي هي الآن تحت قيادة البغدادي وتسيطر على وسط وغرب العراق وشرق سوريا. هذه القوة التي جذبت الجيش الأمريكي إلى المنطقة الهشة بعد ان انسحبوا قبل ثلاث سنوات وظنوا انهم لن يرجعوا إليها.
كانت خلية البغدادي معروفة قليلاً خلال فترة سجنه التي قضاها في سجن بوكا وكان من الشخصيات الأقل تأثيرا من قائد المتمردين ابو مصعب الزرقاوي الذي يمثل الرعب الحقيقي في العراق وأوروبا وأمريكا. لكن البغدادي عرف كيف يبرز شخصيته ويطغي على كل القادة الذين كانوا في بوكا وفي كل أنحاء العراق ويُنسب أصل البغدادي الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحصل على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد الإسلامية. اعتمد البغدادي على كلا نسبه وشهادته لإعلان شرعية الخلافة الاسلامية في تموز ٢٠١٤. وكان ذلك مصيرٌ متبين في ساحة السجن قبل عشرة سنوات.
قال أبو أحمد «إن البغدادي معروف بهدوئه وبشخصيته الجذابة. عرفت أنه شخص مهم ولكني في الحقيقة لم اتوقعه ان يصل الى هذا المستوى.»
حسب ما رواه أبو أحمد ومسجونين آخرين في سجن بوكا في ٢٠٠٤ أن البغدادي كان له طريقته للتعامل مع سجانيه. اعتبره الأمريكيون الشخص الذي يلجون اليه لحل النزاعات بين السجناء ولفرض الهدوء داخل أسوار السجن.
قال أبو أحمد «مع مرور الأيام كلما كان هناك مشكلة في السجن برز البغدادي كعنصر هام. وأراد ان يكون المسؤول الأول للسجناء. عندما أَنظُرُ مرةً أُخرى أجد بأنه كان يستخدم اسلوب’ فرق تسد ‘للحصول على غايته.» أُطلق سراح البغدادي في كانون الاول ٢٠٠٤ بعد ان قُرِّرَ انه لا يشكل خطراً.
قال ابو احمد «إن الأمريكيين احترموه كثيرًا ولذلك استطاع زيارة السجناء في معسكر آخر متى اراد. ولكننا لم نستطع الحصول على نفس المطلب وخلال تلك الفترة، كان يقود حملته خفيه عن أنظارهم ويقوم ببناء الدولة الإسلامية لو لا السجن الأمريكي في العراق لما كان هناك الدولة الإسلامية نحن نعتبر بوكا المصنع الذي ساعد في بناء عقيدتنا.»
بدأت الدولة الإسلامية بالإنتشار في المنطقة تحت راية الرجال الذين كانوا في السجون الأمريكية خلال فترة الإحتلال الأمريكي للعراق. بالإضافة إلى سجن بوكا، كان هناك معسكر كروبر قرب مطار بغداد كما كان هناك سجن أبو غريب في غرب بغداد الذي أُغلق بعد ١٨ شهرفي بداية الحرب وحسب أقوال العديد من المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يديرون عمليات الإعتقال إن الكثير من السجناء الذين أُطلق سراحهم ساهموا بشكل كبير في العمليات التخريبية.
وأضاف أبو أحمد لقد حضرت عدة اجتماعات والتي قال فيها العديد أن الأمور تجري على ما يرام» وهذ ما قاله على خضيري، المساعد للسفراء الأمريكيين في العراق بين ٢٠٠٣ و٢٠١١ وهو ايضا مساعد لثلاث قادة عسكريون أمريكيون ومع مرور الوقت، بدأ القادة الأمريكيون بقبول الواقع «أصبحت هنالك عناصر متشددة وهنالك نتائج عكسية في عدة مجالات لقد بدوا بالتخطيط والتنظيم لتعيين قادة وشن حملات.»
ووافق أبو أحمد على هذا «كل الامراء كانوا يجتمعون في السجن بشكلٍ مترددٍ. وتقربنا جداً من بعضنا البعض عرفنا مدى قدراتهم وكيفية استخدامهم لأي سبب ما. أهم السجناء في بوكا كانوا المقرّبين من الزرقاوي الذي اعتبر قائد المجاهدين في ٢٠٠٤.
أضاف أبو أحمد «كان لدينا الكثير من الوقت للتفكير والتخطيط. إنها البيئة المثالية. اتفقنا أن نجتمع بعد إطلاق سراحنا وكانت عملية الإتصال سهلة. كتبنا أرقامنا في ملابسنا الداخلية وعندما خرجنا من السجن اتصلنا ببعضنا كان عندي أرقام هواتف وعناوين كل المهمين لي. وفي ٢٠٠٩ عاد الكثير منا ليقوم بما قام قبل القبض علينا. ولكننا الآن نقوم بها بطريقة أفضل.»
قال المحلل العسكري الدكتور هشام الهاشمي إن الحكومة العراقية تقدر بأن عدد القادة الكبار في الدولة الاسلامية هم١٧ من أصل ٢٥ يديرون المعركة في العراق وسوريا كانوا مسجونين في السجون الامريكية بين ٢٠٠٤ و٢٠١١.
أن البعض منهم نُقلوا من السجون الامريكية الى السجون العراقية وفي تلك الأثناء تم اقتحامها في السنوات الماضية وذلك ما سمح للعديد من القادة الكبار في الدولة الاسلامية بالهروب والإنضمام ثانية إلى صفوف المتمرّدين.
تم هروب أكثر من ٥٠٠ سجين عند اقتحام سجن أبو غريب في ٢٠١٣ حيث كان البعض منهم قاده جهاديين الذين تم اعتقالهم من قبل الأمريكان وقد هربوا في تموز ٢٠١٣ بعد أن اقتحم عناصر الدولة الإسلامية السجن وقامت هذه العناصر بنفس العملية على سجن الطاجي.
أغلقت الحكومة العراقية سجن أبو غريب في نيسان ٢٠١٤ الذي يبعد ١٥ ميلا عن غرب بغداد ومازال مقفلا. هو قريب من الخط الأمامي للقتال بين الدولة الإسلامية والقوات العراقية قليل الجاهزية وهو قرب الطريق بين الفلوجة والرمادي.
إن اجزاء من هاتين المدينتين أصبحا أرضا محظورة للقوات العراقية المحاصرة الذين دحرتهم الدولة الإسلامية فهي عصابة من القتلة الذين لا نظير لهم في بلاد ما بين الرافدين منذ المغول. عندما زرت السجن المهجور في آخر هذا الصيف، كان هناك جنود عراقيون في نقطة التفتيش على طريق بغداد الرئيسي يأكلون البطيخ كم كان هناك دوي القنابل البعيدة. كانت جدران السجن خلفهم والجهاديين الأعداء راهنين على الطريق امامهم.
إن الكشف عن التعذيب في سجن ابو غريب كان له التأثير المتشدد في نفوس العراقيين الذين رأوا في الاحتلال الأمريكي حضارة مزعومة وتقدم بسيط بعد طغيان صدام. بالرغم من وجود شكوى قليلة عن التعذيب في سجن بوكا إلى حيث إقفاله في عام ٢٠٠٩، إلّا أن العراقيين اعتبروه كرمز قوي للسياسة الغير عادله التي أدى بالآباء والأبناء والأزواج العراقيين — بعضهم مدنيين — في سجون كنتيجة للمداهمات العسكرية على مناطق سكنية.
وقال الكاتب في ذلك الوقت رد الجيش الأمريكي علميات التوقيف قانونية وأنها شبيهة بما تقوم به اي قوات ضد العمليات الإرهابية كعمليات الجيش البريطاني في إيرلندا الشمالية.
إن البنتاغون يستمر بالدفاع عن سجن بوكا حتى بعد مرور خمس سنوات على إغلاقه ويعتبره مثلًا لتطبيق القانون في وقتٍ صعبٍ. «خلال العمليات العسكرية بين ٢٠٠٣ و٢٠١١ قامت القوات الأمريكية بسجن آلاف من سجناء الحرب» صرح الكولونيل ميلز ب كاجينز وهو المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السجناء. «هذا النوع من التوقيف سائد خلال الحروب. إن توقيف المشبوهين في عمليات الإرهاب هو أمر قانوني وهو الطريق الإنساني لحماية أمن واستقرار المواطنين.»
بعد الإفراج عن البغدادي، أُفرج عن أبو أحمد أيضًا. بعد وصوله إلى مطار بغداد أخذه رجال قابلهم في سجن بوكا إلى بيت في غرب العاصمة ومن هناك انضم ثانية للمجاهدين الذي تحول من المعركة ضد الاحتلال إلى حرب دامية ضد العراقيين الشيعة.
انتشرت فرق الموت في بغداد وخاصة في مركز العاصمة وقاموا بقتل عناصر من الشيعة وبدأو بتهجير السكان من المناطق التي يسيطرون عليها. تغيرت العاصمة كثيراً على أبو أحمد. أصبح من الممكن مراقبة كل تطور جديد في الحرب الطائفية بمساعدة السجناء الجدد قي بوكا. لقد عرف أبو أحمد الأجواء التي عاد إليها وكان لقادته في السجن خطط له.
عندما وصل أبو أحمد الى منزله في غرب بغداد، قام بقطع الحبل الموجود في لباسه الداخلي والذي يحوي ارقام زملاءه في السجن وبدأ الاتصال بهم لبدا العمل. «قام زملائي في السجن بالإتصال ببعض وكانت العملية سهلة للبقاء على اتصال.» يبتسم أبو أحمد خلال الحديث معي عندما يتذكر خطتهم. «إن ملابسنا الداخلية جعلتنا نربح الحرب.»
كان هدف الزرقاوي إعادة إحياء ١١ ايلول لتصعيد الموقف. لقد أراد شيئا لنقل الحرب الى قلب العدو وبالنسبة له يمكن أن يحدث هذا من خلال هدفين: كرسي للقوى الشيعية او تشكيل رمز ديني. في شهر شباط ٢٠٠٦، وبعد شهرين ثانين’ تم تفجير الإمام العسكري في سامراء شرق بغداد. عندها اشتعلت الحرب الأهلية وتحققت طموحات الزرقاوي.
عندما سألته عن نتائج هذا العنف، سكت أبو أحمد لثواني لأول مرة خلال جلساتنا المتعددة. «كان هنالك سبب لإشعال الحرب، ولم يكن السبب لأنهم شيعة ولكن لأن الشيعة دفعونا لهذا الموقف. لقد سهل الجيش الأمريكي نقل السلطة لهم وهم كانوا متواطئين مع بعض.»
عندها بدأ الحديث عن الرجل الذي أعطى الاوامر: «كان الزرقاوي ذكيا وكان من أحسن المخططين الاستراتيجيين الذين حضت بهم الدولة الإسلامية. كان ابو عمر البغدادي شرسا» قال أبو أحمد وهو يصف خليفة الزرقاوي والذي قتلته القوات الامريكية في نيسان ٢٠١٠ «ولكن البغدادي هو الأكثر تعطشا للدماء.»
« عندما قتل الزرقاوي، ظهر العديد من رفاقه اللذين كانوا متعطشين للدماء أكثر منه. كان فهمهم للشريعة والإنسانية رخيص جدا. لم يفهموا التوحيد (المبدأ القرآني لتوحيد الله) بالطريقة التي يجب فهمها. لا يجب علينا فرض التوحيد عن طريق الحرب.»
بالرغم من التحفظات التي بدأت تظهر بعد ٢٠٠٦، أصبح أبو أحمد جزءأ من جهاز القتل البشري التي تعمل بسرعتها القصوى خلال سنتين. تم تشريد الملايين وتهجير العديد من الأحياء السكنية وتعرض العديد للقسوة الوحشية.
في ذلك الصيف، قتل الجيش الأمريكي الزرقاوي بمساعدة المخابرات الاردنية في ضربة جوية شمال بغداد. في نهاية ٢٠٠٦، أصبح التنظيم ضعيفا حيث اقتلعت جذوره من الأنبار واضمحل وجودهم في أنحاء العراق ولكن حسب ما قال أبو أحمد أن التنظيم استخدم هذه الفرصة لإعادة أحيائه وإبراز النظام وتأكيد هويته اعتبرت السنوات بين ٢٠٠٨ و٢٠١١ سنوات هدوء موقت وليس هزيمة.
في هذا الوقت، ظهر أبو بكر البغدادي وشاع صيته كمساعد أمين للقائد ابو عمر البغدادي ومساعدة الجهادي المصري أبو أيوب المصري. منذ ذلك الحين، قال أبو أحمد، بدأت الدولة الإسلامية بالإتصال بالعناصر البعثية في النظام السابق وهم الذين يشاركونهم المبدأ بان العدو هو الامريكان والحكومة الشيعية التي تسانده.
إن التجسيد الأولي للدولة الإسلامية انخرط مع البعثيين الذين خسروا كل شي عندما اطيح بصدام حسين وأصبح المبدأ «عدو عدوي صديقي» ولكن في بداية ٢٠٠٨ وهذا حسب ما قاله أبو أحمد ومصادر أخرى أن هذه الاجتماعات أصبحت متكررة والعديد منها كان في سوريا.
إن الربط بين سوريا والمتمردين في العراق كان مصدر قلق للحكومة الامريكية والتي أشارت إليه في اجتماعات عده في بغداد مع الحكومة العراقية. إن الحكومتين العراقية والأمريكية مقتنعون أن الرئيس السوري بشار الأسد يساهم في فتح الأبواب للجهاديين والسماح لهم للطيران من الاراضي السورية وأن المسؤولين السوريين ساعدوا في عبورهم للأراضي العراقية. “ان كل الاجانب دخلوا عن طريق سوريا. هذا أمر معروف” قال أبو أحمد.
في عام ٢٠٠٨، بدأ الجيش الأمريكي بالتفاوض حول نقل السلطة إلى المؤسسات العراقية الضعيفة وتمهيد الطريق لخروجهم من العراق. لقد كان هناك فئات عراقية قله استطاع الأمريكان الوثوق بهم في الحكومة العراقية ومن ضمنهم الجنرال حسين علي كمال، مدير المخابرات في وزارة الداخلية. كان علمانيا كرديا وحصل على ثقة الحكومة الشيعية. من أهم أحد مسؤولياته هو تأمين بغداد من العمليات الإرهابية.
كان حسين علي كمال مقتنعا مثل الأمريكان أن سوريا وراء زعزعة الأمن في العراق. لقد وصل الجنرال إلى هذه النتيجة بعد عدة تحقيقات أجراها مع جهاديين الذين تم إلقاء القبض عليهم. خلال العام ٢٠٠٩، أفصح الجنرال وذلك خلال لقاءات عديدة عن أدلته واستخدم خرائط توضح الطرق التي سلكها الإرهابيون لعبور الحدود إلى غرب العراق كما انه قال لي الإعترافات التي ساندت رحلات الارهابين وعلاقاتهم مع مسؤولين سوريين في المخابرات السورية.
عندما انحسرت عمليات الدولة الإسلامية في العراق، أصبح مهووسا باجتماعين حصلوا في سوريا عام ٢٠٠٩ والتي حضرها جهاديين عراقيين ومسؤولين سوريين وبعثيين سوريين وعراقيين. أصيب الجنرال حسين بسرطان نادر في ٢٠١٢ وتوفي في بداية هذا العام وهو صرح لي بنشر حوارنا وقال: «قل لهم الحقيقة» وهذا خلال آخر مقابله معه في شهر حزيران ٢٠١٤.
قابلته للمرة الاولى في ٢٠٠٩ واعطاني تفاصيل دقيقه حول الإجتماعين السريين في منطقة الزبداني قرب دمشق، والتي حدثت في ربيع تلك السنة. كان من الحاضرين للاجتماع قادة بعثية التجؤا الى سوريا بعد سقوط نظام صدام، ومخابرات سورية وشخصيات مهمه في ما يعرف ذاك الوقت بالقاعدة في العراق. لقد طور النظام السوري علاقاته مع المتمردين خلال الأيام الأولى من الإحتلال الأمريكي واستخدموهم كأداة لزعزعة أمن الأمريكان وخططهم في العراق.
«عند بداية ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ بدا التواصل بين المتمردين الإسلاميين والبعثيين» حسب اقوال علي قدري، المستشار السابق للسفراء الامريكان و المسؤولين الرفيعين المستوى في العراق. «لقد كانوا منظمين وعالمين بالوضع على أرض الواقع. مع مرور الوقت تحول بعض البعثيين إلى إسلاميين متشددين وبدأ الوضع بالتأزم. مع سنة ٢٠٠٧، قال الجنرال ديفيد بطرس أن الأمور واضحة جدا وان العلاقة بين المخابرات السورية والجهاديين متوطده ولكن الحوافز ليست متطابقة ٪ ١٠٠.»
أوضح أبو أحمد من خلال مقابلاتنا أن العلاقات السورية واضحة في العمليات التخريبية في العراق «لقد عبر المجاهدين من سوريا. لقد عملت مع العديد منهم أن أصحابي الذين كانوا معي في بوكا قدموا الى العراق عبر المطار في دمشق وهناك عدد قليل جاء من تركيا او إيران إن غالبية الذين جاؤا لمساعدتنا عبروا من سوريا.»
يعتبر المسؤولون العراقيون خط التمويل الخطر الاساسي للحكومة العراقية والذي يعتبر العامل الرئيسي لتسميم العلاقات بين رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الاسد. كان المالكي مقتنعا إن بداية الحرب الأهلية هي خطة بشار الاسد لزعزعة نظامه وهي طريقة لإخراج الأمريكان وأن الأدلة التي امتلكها في ٢٠٠٩ خلال مقابلته في دمشق أدت إلى اشمئزازه من الرئيس السوري.
«كان مصدرنا في الغرفة مرتديا جهاز تصنت» قال الجنرال حسين. «كان هذا أكثر المصادر حساسية. حسب علمنا، هذه هي المرة الأولى التي حصل فيها لقاء استراتيجي على هذا المستوى بين كل الاطراف. هذه هي بدأيه نقطه هامة في التاريخ.»
وفق مصدر الجنرال حسين ان حضور البعثيين للإجتماع هو للتوافق على سلسلة من الهجمات على بغداد وتقليل شعبية رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي والذي للمرة الاولى ساهم في تنظيم ما بعد الحرب الأهلية في العراق. حتى ذلك الوقت، كان البعثيون والقاعدة في العراق على اختلاف تام في الإيديولوجية ولكن الصعود للشيعة في العراق ومساندة إيران لهم دفعت الطرفين للتوحد.
في تموز ٢٠٠٩، زادت وزارة الداخلية عدد نقاط التفتيش حول نهر دجله في بغداد مما أصبح من الصعب التنقل في أي وقت. تلقى الجنرال حسين رسالة من مصدرة في سوريا يقول فيها أن تشدد الأمن على الجسور دفع بالقاعدة لتغيير الخطة. لقد اختاروا الآن اهدافا جديده ولكنه لا يعلم ما هي الأهداف أومتى ستتعرض للقصف. قضى الجنرال حسين أسبوعين كاملين في مكتبه جنوب بغداد في منطقه العرصات قبل أن يهاجم رتل على جسر ١٤ تموز وهو الهجوم الذي حصل قبل أيام من ضرب بيته في المنطقة الخضراء.
أما بالنسبة لبقية الشهر، قضى الجنرال ساعات عديدة يركض فيها على جهاز الركض يأمل أن يساعده التدريب على التفكير بشكل جيد وأن يسبق الإرهابيين في خططهم ويحبطها.
«ان الركض يساعدني على الخسة ولكنه لم يساعدني على معرفة خطط الارهابيين» هذا ما قاله لي قبل أن تحصل الهجمات.«انا اعلم أن لديهم خطة كبيرة.»
في صباح ١٩ أيلول، انفجرت أول الشاحنات الثلاث المحملة بالمتفجرات قرب وزارة المالية جنوب شرق بغداد. سمعت أصداء الإنفجار في كل أنحاء المدينة. وبعد ثلاث دقائق، حصل الإنفجار الثاني على أبواب وزارة الخارجية في الجهة الشمالية من المنطقة الخضراء وبعدها بقليل انفجار على رتل الشرطة قرب وزارة المالية. هذه الإنفجارات أدت بحياة ١٠١ شخص وجرحت ٦٠٠ اخرين. كانت هذه من أعنف الهجمات خلال الست سنوات من العنف في العراق.
«لقد فشلت» قال الجنرال في ذلك اليوم. «لقد فشلنا جميعا» هذا ما قاله لرئيس الوزراء نوري المالكي وقادته الأمنين. كان رئيس الوزراء غاضبا جدا. «لقد طلب مني تقديم كل الأدلة إلى السوريين وطلبنا من تركيا أن تكون الوسيط. سافرت الى انقرة وقابلتهم هناك وأخذت معي الملف الذي يحوي كل المعلومات» أشار الى الملف الأبيض على مكتبه. «لم يستطيعوا تجاهل أو انكار ما ابرزته من أدلة. كانت القضية واضحة والسوريون عالمون بها. كان علي مملوك (المسؤول عن الامن السوري) حاضرا والذي ابتسم لي وقال:< انا لا أعترف بأي أوراق رسمية من حكومة تحت الإحتلال الأمريكي.> هذه مضيعة للوقت.» سحب العراق دبلوماسية من دمشق وقامت سوريا بسحب دبلوماسيتيها. بقيت العلاقات متوترة حتى بداية ٢٠١٠ بين المالكي والأسد.
في آذار ٢٠١٠، ألقت القوات العراقية القبض على القائد الإسلامي مناف عبد الرحيم الراوي وذلك بمساعدة الأمريكان. تم التحري عنه وعرف العراقيون أنه واحد من أهم القادة المتمردين في بغداد وهو واحد من القلة الذين لهم علاقة وثيقة بأبو عمر البغدادي. اعترف الراوي وقامت أجهزت المخابرات العراقية بالتعاون لإلقاء القبض على أبو عمر البغدادي بعد أن وضعوا جهاز تنصت في باقة ورد أرسلت إلى بيته.
قام الأمريكان بمداهمة المكان بعد أن تم التأكد أن أبو عمر ومساعدة ابو ايوب المصري حاضرين في بيت يبعد ٦ اميال عن جنوب غرب تكريت. فجر الشخصين نفسهم ليتجنبوا السجن. لقد وجد الأمريكان رسائل إلى ابن لادن وأيمن الظواهري في الكمبيوتر في ذلك البيت. كان منزل أبو عمر شبيها بمنزل ابن لادن في باكستان حيث لا يوجد انترت او خط للهاتف. كل الرسائل تتناقل عن طريق ثلاثة رجال. أحدهم هو ابو بكر البغدادي.
«كان ابو بكر المراسل لأبو عمر» قال أبو أحمد. «لقد اصبح المساعد المقرب له. قام أبو بكر بكتابه أكثر الرسائل المرسلة إلى ابن لادن. أصبح ابو بكر القائد بعد أن قتل أبو عمر. إن الوقت الذي قضيناه في بوكا كان في غاية الأهمية.»
اعتبرت الدولة الإسلامية مقتل ابو عمر البغدادي وأبو أيمن المصري نكبة كبيرة ولكن سرعان ما احتل المنصبين من قبل خريجي بوكا وقام المنسقون بعملية التحضير لهذه اللحظة وذلك خلف جدران السجن جنوب بغداد. «لقد كانت مدرسة إدرايه ولم يكن هنالك اي بطالة لان الجميع لديهم معلمين جيدين في السجن.»
«عندما بدأت الحرب الأهلية في سوريا تشتد» اضاف أبو أحمد. «لم يكن من الصعب ان ننقل خبراتنا الى معركة مختلفة. أن العراقيين يحتلون المناصب المهمة في الجيش وفي مجلس الشورى في الدولة الاسلامية الآن وذلك بسبب تحضيراتهم لسنوات عديدة. لقد استخففت دور البغدادي كما استخف الأمريكان به.»
لقد بقي أبو أحمد عنصرا في الدولة الإسلامية وهو عنصر فعال في العمليات العسكرية في العراق وسوريا. لقد بين لي من خلال اللقاءات المتعددة أنه باق في هذا التنظيم قسرا ولكنه يخشى المغامرة بتركهم.
أن الحياة في هذا التنظيم تعني السلطة، المال والزوجات والهيبة. إن كل هذه العناصر مغرية للشباب الذين يريدون القتال لهدف ما. ولكنها ايضا تعني القتل والسيطرة من خلال نظرتهم على العالم. قال أبو أحمد أن هنالك العديد من الرجال مثله الذين انخرطوا للجهاد ضد الإحتلال الأمريكي ولكنهم لا يومنون بأن المظاهر الأخيرة في هذه الحرب الطويلة تبقى تمثل نفس النهج.
«انها أكبر غلطة في حياتي أني انضممت اليهم» قال أبوأحمد ثم أضاف إن ترك التنظيم يعني الموت الموكد له ولجميع أفراد عائلته. إن البقاء في التنظيم وفرض نظرتهم الوحشية بالرغم من التبرأة الجزئي منهم لا يزعج أبوأحمد الذي يرى أن هناك خيارات قليلة له.
«اريدك أن تعلم أني أؤمن بالجهاد» قال أبواحمد «ولكن ما هي الخيارات التي املكها الآن؟ سوف يقتلوني إذا تركتهم.»
إن الأساس لانخراطه بما يعرف الآن بأخطر خلية إرهابية في العالم والذي يعكس سبب انخراط العديد أيضا وحصوله على مركز مسؤول في هذا التنظيم هو أولا بسبب المعركة ضد الجيش المحتل وإحراز هدف ضد العدو الطائفي والآن أصبح حربا التي ممكن أن تثبت نهاية النبوءة.
في عالم الخريجين من بوكا، هناك مساحة صغيرة للتعديل أو التأمل. لقد انجرف أبو أحمد خلال الأحداث مثل العديد من أصدقائه.
«هناك آخرين الذين ليسوا أيديولوجيين» وهو يشير الى عناصر قيادية في الدولة الإسلامية وهم مقربين إلى البغدادي. «هؤلاء أشخاص بدأوا من بوكا مثلي وبعدها أصبح الأمر أكبر واقوى منهم. لا نستطيع التوقف الآن. كل شي خارج عن إرادتنا وخارج عن إرادة البغدادي أو أي شخص آخر في هذه الدوامة.»
ترجمة المركز الصحفي السوري