يتواصل بأقل قدر من الأضواء الإعلامية والاهتمامات السياسية الصراع على مستقبل إدلب ومحيطها، بين أطراف حلف نظام الأسد مع روسيا وإيران في مواجهة طرفي السيطرة على مدينة إدلب ومحيطها، التي تتقاسمها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وبقايا تشكيلات محسوبة على «الجيش الحر» وجماعات إسلامية معتدلة.
وفي الوقت الذي يعمل فيه أطراف حلف نظام الأسد بصورة منسقة ومتناغمة على محاور متعددة، يواصل الطرف المسيطر على إدلب ومحيطها صراعاته البينية من جهة، ومحاولة كل جماعة فيه تعزيز مواقعها بكل السبل في مواجهة مساعي النظام وحلفائه استعادة السيطرة على إدلب، التي لا شك أنها ستمثل تحولاً نوعياً في الصراع السوري المستمر منذ ثماني سنوات.
وإذا كانَ همُّ القوى المسيطرة على المنطقة من تشكيلات مسلحة الحفاظ على المنطقة خارج سيطرة النظام وحلفائه، وسعي كل جماعة تحسين مكانتها، وتوسيع حيز سيطرتها على الأرض والسكان بانتظار ظروف أفضل، تبدل معادلات الصراع أو تقلبها، فإنَّ همَّ نظام الأسد وحلفائه حسم الوضع في المنطقة واستعادة السيطرة عليها على نحو ما تحقق من انقلاب في الموازين بعد التدخل الروسي، واستعادة سيطرة النظام على مناطق كثيرة، بدأت فاتحتها في حلب 2016، ثم تباعاً في ريف دمشق ودرعا، وتقوم خطة النظام وحلفائه على ثلاث نقاط أساسية.
أولى النقاط وأهمها استمرار الاستنزاف العسكري للمنطقة وللتشكيلات المسلحة فيها، عبر استمرار العمليات العسكرية، التي تتضمن زج أكبر عدد من القوات وعناصر الميليشيات على حدود المنطقة، والإيحاء بأنه فرض للحصار عليها، بالتزامن مع فتح معارك تبقي خطوط التماس في حالة اشتباك عسكري، وقيام القوات بالتقدم ما دامت استطاعت، إلى أراضي خصومها، مما يضع التشكيلات المسيطرة في إدلب ومحيطها في حالة استنفار دائم، ويستنزف قوتها، ويضعف انضباطها، بحكم طبيعتها غير النظامية، والنقطة الثانية نقطة مكملة، وهي تصعيد العمليات العسكرية على المدنيين خلف خطوط الاشتباك، ويشكل القصف الجوي للطائرات الروسية بأسلحتها، وبعضها محرم دولياً، وبالبراميل المتفجرة، التي تطلقها طائرات النظام، جوهر هذه العمليات، حيث تُلحِق خسائر بشرية ومادية كبيرة بالتجمعات السكانية، فيما يشكل القصف المدفعي والصاروخي الذي تشارك فيه قوات الحلف الثلاثي وميليشياتها قسماً آخر في عمليات التصعيد، وكان للقصف الصاروخي الأخير للقوات الإيرانية على مخيمات النازحين في أطراف بلدة قاح، شمال إدلب، قرب الحدود مع تركيا، أثر مدمر، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى المدنيين.
وتشكِّلُ إضافة النقطة الأولى في استنزاف قوة وطاقة التشكيلات المسلحة على خطوط التماس مع قوات النظام وحلفائه، والنقطة الثانية في إرهاب وتدمير البنية السكانية المعارضة للنظام في المنطقة، القسم الرئيسي من مثلث نقطته الثالثة إشاعة تدهور سياسي واجتماعي ومعاشي متعدد المستويات في إدلب ومحيطها بالتزامن مع التدهور الأمني، بحيث تتكامل مساعي تدمير المنطقة وسكانها، وهي أحد محاور سياسة النظام وحلفائه بمن فيهم الطابور الخامس والخلايا النائمة الذين يتشاركون بصورة مباشر وغير مباشرة في تعميم التدهور في كل مناحي الحياة العامة، لا سيما لجهة منع تحسين الأحوال والعلاقات بين الأطراف المختلفة، ونشر الإشاعات وتثبيط الهمم، مما يعزز سياسة النظام هناك القائمة، في هذا الجانب، على إغلاق المنطقة والتضييق على سكانها في حركتهم ومعاشهم، وإشاعة أجواء الإحباط واليأس نتيجة تغييب الحل السياسي، والإيحاء بأن لا طريق سوى استمرار القتل والتدمير والتهجير.
وللحق، فإن جزءاً مهماً من السياسات السابقة يتقاطع مع سياسات أطراف تزعم الوقوف في خندق العداء لنظام الأسد وحلفائه، على نحو ما تفعل «هيئة تحرير الشام»، التي تشكل «جبهة النصرة» عمودها الفقري، وباستثناء إصرارها على رفض إحداث أي تحولات في مصيرها، سواء بحل نفسها أو إجراء تغييرات عقائدية وسياسية فيما تتبناه، مما يبعد عنها صفة التطرف والإرهاب، ويحولها إلى طرف معتدل، فإنها تُصِرّ على البقاء في البيئة العقائدية والسياسية لـ«تنظيم القاعدة»، وتتابع في الوقت ذاته الإصرار على بسط هيمنتها السياسية والعسكرية، ومحاربة كل الأطراف التي تختلف معها بكل الأشكال بما فيها القتل والاعتقال والتهجير، إضافة إلى فرض تفكيرها العقائدي على السكان سواء عبر ميليشياتها أو عبر أجهزة ما تسميه «حكومة الإنقاذ»، التي شكلتها في المنطقة لتكون ذراعها في الإدارة المدنية، وإحدى وسائل سيطرتها، وواحدة من أدوات نهب القدرات المادية المتواضعة للسكان عبر الضرائب والإتاوات المفروضة، دون مقابل، وتحويلها لصالح الهيئة، التي جعلت من حكومتها منافساً للحكومة السورية المؤقتة، التي شكّلها الائتلاف الوطني المعارض.
ولعله لا يحتاج إلى تأكيدِ قولٍ، أن ما تتابعه الهيئة من سياسات، وما تقوم به من ممارسات، تفعله بدرجة أو بأخرى بعض التشكيلات المسلحة، خصوصاً التشكيلات الإسلامية، مما جعل حياة السكان والناشطين السياسيين والمدنيين والإعلاميين لا تُطاق، مما دفعهم إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات ضد الهيئة وزعيمها الجولاني، ومطالبتهما بالخروج من إدلب، وهي واحدة من خطوات يمكنها تحسين الحياة في المنطقة، وتحسين الإدارة فيها، وتعزيز صمودها في مواجهة سياسات وممارسات نظام الأسد وحلفائه.
إن العامل الأخير في التأثير على أوضاع إدلب ومحيطها تمثله تركيا وسياساتها في الشمال السوري، وهو تأثير لا يُستمدّ من كون تركيا بوابة المنطقة إلى العالم، والمتحكم الرئيسي فيها فقط، وهي طرف في الصراع، ولها مصالح وأهداف ووجود عسكري مباشر، إضافة إلى انخراطها مع روسيا في تحالف آستانة – سوتشي، الأمر الذي جعل سياساتها في موضوع إدلب ومحيطها أقل تشدداً، وخارج أي مساعدة، في مواجه الحرب على إدلب، بعد ما حصلت عليه من دعم ومساندة دوليين، وسكوت روسي على عمليتها الأخيرة، «نبع السلام»، في شرق الفرات، بخصوص خصومها من «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يشكل أكراد حزب «الاتحاد الديمقراطي» (BYD) عمودها الصلب في مناهضة تركيا.
خلاصة القول في وضع إدلب ومحيطها اليوم: إنها تسير بخطى متسارعة نحو كارثة، ليس من خلال قوة النظام وحلفائه فقط، بل من خلال تواطؤ سياسات الأطراف المسلحة التي تفرض سيطرتها على المنطقة، ومن خلال تهاون تركيا ومسايرتها موسكو وسياستها في القضية السورية، وما لم تحصل تطورات سياسية تقارب المعجزة، فإن إدلب ومحيطها يمكن أن تصبح في يد نظام الأسد وحلفائه.
وفي الوقت الذي يعمل فيه أطراف حلف نظام الأسد بصورة منسقة ومتناغمة على محاور متعددة، يواصل الطرف المسيطر على إدلب ومحيطها صراعاته البينية من جهة، ومحاولة كل جماعة فيه تعزيز مواقعها بكل السبل في مواجهة مساعي النظام وحلفائه استعادة السيطرة على إدلب، التي لا شك أنها ستمثل تحولاً نوعياً في الصراع السوري المستمر منذ ثماني سنوات.
وإذا كانَ همُّ القوى المسيطرة على المنطقة من تشكيلات مسلحة الحفاظ على المنطقة خارج سيطرة النظام وحلفائه، وسعي كل جماعة تحسين مكانتها، وتوسيع حيز سيطرتها على الأرض والسكان بانتظار ظروف أفضل، تبدل معادلات الصراع أو تقلبها، فإنَّ همَّ نظام الأسد وحلفائه حسم الوضع في المنطقة واستعادة السيطرة عليها على نحو ما تحقق من انقلاب في الموازين بعد التدخل الروسي، واستعادة سيطرة النظام على مناطق كثيرة، بدأت فاتحتها في حلب 2016، ثم تباعاً في ريف دمشق ودرعا، وتقوم خطة النظام وحلفائه على ثلاث نقاط أساسية.
أولى النقاط وأهمها استمرار الاستنزاف العسكري للمنطقة وللتشكيلات المسلحة فيها، عبر استمرار العمليات العسكرية، التي تتضمن زج أكبر عدد من القوات وعناصر الميليشيات على حدود المنطقة، والإيحاء بأنه فرض للحصار عليها، بالتزامن مع فتح معارك تبقي خطوط التماس في حالة اشتباك عسكري، وقيام القوات بالتقدم ما دامت استطاعت، إلى أراضي خصومها، مما يضع التشكيلات المسيطرة في إدلب ومحيطها في حالة استنفار دائم، ويستنزف قوتها، ويضعف انضباطها، بحكم طبيعتها غير النظامية، والنقطة الثانية نقطة مكملة، وهي تصعيد العمليات العسكرية على المدنيين خلف خطوط الاشتباك، ويشكل القصف الجوي للطائرات الروسية بأسلحتها، وبعضها محرم دولياً، وبالبراميل المتفجرة، التي تطلقها طائرات النظام، جوهر هذه العمليات، حيث تُلحِق خسائر بشرية ومادية كبيرة بالتجمعات السكانية، فيما يشكل القصف المدفعي والصاروخي الذي تشارك فيه قوات الحلف الثلاثي وميليشياتها قسماً آخر في عمليات التصعيد، وكان للقصف الصاروخي الأخير للقوات الإيرانية على مخيمات النازحين في أطراف بلدة قاح، شمال إدلب، قرب الحدود مع تركيا، أثر مدمر، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى المدنيين.
وتشكِّلُ إضافة النقطة الأولى في استنزاف قوة وطاقة التشكيلات المسلحة على خطوط التماس مع قوات النظام وحلفائه، والنقطة الثانية في إرهاب وتدمير البنية السكانية المعارضة للنظام في المنطقة، القسم الرئيسي من مثلث نقطته الثالثة إشاعة تدهور سياسي واجتماعي ومعاشي متعدد المستويات في إدلب ومحيطها بالتزامن مع التدهور الأمني، بحيث تتكامل مساعي تدمير المنطقة وسكانها، وهي أحد محاور سياسة النظام وحلفائه بمن فيهم الطابور الخامس والخلايا النائمة الذين يتشاركون بصورة مباشر وغير مباشرة في تعميم التدهور في كل مناحي الحياة العامة، لا سيما لجهة منع تحسين الأحوال والعلاقات بين الأطراف المختلفة، ونشر الإشاعات وتثبيط الهمم، مما يعزز سياسة النظام هناك القائمة، في هذا الجانب، على إغلاق المنطقة والتضييق على سكانها في حركتهم ومعاشهم، وإشاعة أجواء الإحباط واليأس نتيجة تغييب الحل السياسي، والإيحاء بأن لا طريق سوى استمرار القتل والتدمير والتهجير.
وللحق، فإن جزءاً مهماً من السياسات السابقة يتقاطع مع سياسات أطراف تزعم الوقوف في خندق العداء لنظام الأسد وحلفائه، على نحو ما تفعل «هيئة تحرير الشام»، التي تشكل «جبهة النصرة» عمودها الفقري، وباستثناء إصرارها على رفض إحداث أي تحولات في مصيرها، سواء بحل نفسها أو إجراء تغييرات عقائدية وسياسية فيما تتبناه، مما يبعد عنها صفة التطرف والإرهاب، ويحولها إلى طرف معتدل، فإنها تُصِرّ على البقاء في البيئة العقائدية والسياسية لـ«تنظيم القاعدة»، وتتابع في الوقت ذاته الإصرار على بسط هيمنتها السياسية والعسكرية، ومحاربة كل الأطراف التي تختلف معها بكل الأشكال بما فيها القتل والاعتقال والتهجير، إضافة إلى فرض تفكيرها العقائدي على السكان سواء عبر ميليشياتها أو عبر أجهزة ما تسميه «حكومة الإنقاذ»، التي شكلتها في المنطقة لتكون ذراعها في الإدارة المدنية، وإحدى وسائل سيطرتها، وواحدة من أدوات نهب القدرات المادية المتواضعة للسكان عبر الضرائب والإتاوات المفروضة، دون مقابل، وتحويلها لصالح الهيئة، التي جعلت من حكومتها منافساً للحكومة السورية المؤقتة، التي شكّلها الائتلاف الوطني المعارض.
ولعله لا يحتاج إلى تأكيدِ قولٍ، أن ما تتابعه الهيئة من سياسات، وما تقوم به من ممارسات، تفعله بدرجة أو بأخرى بعض التشكيلات المسلحة، خصوصاً التشكيلات الإسلامية، مما جعل حياة السكان والناشطين السياسيين والمدنيين والإعلاميين لا تُطاق، مما دفعهم إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات ضد الهيئة وزعيمها الجولاني، ومطالبتهما بالخروج من إدلب، وهي واحدة من خطوات يمكنها تحسين الحياة في المنطقة، وتحسين الإدارة فيها، وتعزيز صمودها في مواجهة سياسات وممارسات نظام الأسد وحلفائه.
إن العامل الأخير في التأثير على أوضاع إدلب ومحيطها تمثله تركيا وسياساتها في الشمال السوري، وهو تأثير لا يُستمدّ من كون تركيا بوابة المنطقة إلى العالم، والمتحكم الرئيسي فيها فقط، وهي طرف في الصراع، ولها مصالح وأهداف ووجود عسكري مباشر، إضافة إلى انخراطها مع روسيا في تحالف آستانة – سوتشي، الأمر الذي جعل سياساتها في موضوع إدلب ومحيطها أقل تشدداً، وخارج أي مساعدة، في مواجه الحرب على إدلب، بعد ما حصلت عليه من دعم ومساندة دوليين، وسكوت روسي على عمليتها الأخيرة، «نبع السلام»، في شرق الفرات، بخصوص خصومها من «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يشكل أكراد حزب «الاتحاد الديمقراطي» (BYD) عمودها الصلب في مناهضة تركيا.
خلاصة القول في وضع إدلب ومحيطها اليوم: إنها تسير بخطى متسارعة نحو كارثة، ليس من خلال قوة النظام وحلفائه فقط، بل من خلال تواطؤ سياسات الأطراف المسلحة التي تفرض سيطرتها على المنطقة، ومن خلال تهاون تركيا ومسايرتها موسكو وسياستها في القضية السورية، وما لم تحصل تطورات سياسية تقارب المعجزة، فإن إدلب ومحيطها يمكن أن تصبح في يد نظام الأسد وحلفائه.
نقلا عن الشرق الأوسط