تخرجُ إلى جاراتها لتشرب قهوة الصباح، تعودُ لتحضير الطعامِ وترتب الخيمة، دقيقةً هنا وأخرى هناك، وكأنها تفقدُ صغيرها أو تتيه في صحراءٍ بلا مياه، لكن ماتفقده أغلى، تفقدُ وطن.
ما مصير العقارات التي تم شراؤها في الشمال السوري دون وجود أوراقٍ ثبوتيّةٍ رسميّة
“أم محمد” نازحةٌ من قرى ريف حماة الشمالي، تسكن وحيدةً صحبةَ الحزن والخيبة، بعدما فقدت أغلى ماتملك، الأرض والزوج ورؤيةَ الأولاد.
بدأت أم محمد تسرد قصتها، تغلبها ملامح الوحدة والحيرة، “نزحت من شمال حماة، واستقريت في مخيمات النازحين قرب جسر الشغور، وأسكن وحيدةً بعدما توفي زوجي سنة 2017، ولا استطيع رؤية أولادي فهم في لبنان يعملون ويسكنون صحبة عوائلهم”.
تشعر أم محمد ذات الستين سنة أن لاشيء أغلا لتفقده بعدما فقدت، فالأرض بحسب تعبيرها هي شريان الحياة، والأولاد هم دماءها ونبضات القلب .
“لدينا أرض زراعية كنا نعمل بها ونجني ثمارها، نجتمع فيها يومياً ونعطيها الحب لترد لنا الثمر والرزق الوفير، واليوم أعيش بحسرتي وأكابد شوقي، وأحلم ليل نهار بالعودة إليها”.
لم تكن تعلم أم محمد أن المآل سيحول بها إلى خيمة بعد منزلها الذي كانت تعتبره قصراً منيفا، فتقول بحرقة ” أشتاق إلى أركان منزلي، إلى تنور الخبز وأشجار الليمون في الحاكورة، وجلسة المساء تحت عريشة العنب، أشتاق إلى كل التفاصيل حتى جدران سور المنزل اشتاقها”.
تمتلك أم محمد خمسين دونماً من الأرض الزراعية، كانت تعمل على زراعتها بالبطاطا والفول السوداني والخضار بأنواعها، لكن حسرتها الكبيرة بعد سماع الأخبار عن تأجير نظام الأسد لأراضي المدنيين واستثمارها من قبل أطراف أخرى.
“زاد اللهيب بقلبي بعدما سمعت أن الأرض قد أجرت، ويعمل فيها معاول وأذرع غريبة، لم أعتقد طوال حياتي أن يستثمر أرضي التي وضعت بها دم قلبي وعرق جبيني أغراب وأنا على قيد الحياة”.
ليست الوحيدة، آلاف كأم محمد، هجروا من ديارهم وسلبت ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية، يسكنونَ خياماً على أرض غريبة، بينما كانوا يملكون آلاف الأمتار من الأراضي، يحلمون بأن يعودوا لها ولو بعد حين، ويأملون بأن ينظر العالم لحالهم ويعيد لهم حقوقهم.
ريم مصطفى
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع