بأي طريقة ننظر إليها، لم تشهد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أزمة لاجئين على مستوى تلك التي شهدها عام 2014. ووفقا للتقرير السنوي لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، شهد العام الماضي ارتفاع إجمالي عدد المشردين قسرا إلى 59.5 مليون نسمة، وهو رقم لم يسبق له مثيل. ويشمل هذا الرقم 38.2 مليون شردوا داخليًا بسبب الصراعات، والعنف بشكل عام، وانتهاكات حقوق الإنسان – وهو أيضًا رقمًا قياسيًا منذ بداية تسجيل تلك البيانات في عام 1989. في عام 2014 وحده، شرد 13.9 مليون شخص فقط بسبب الصراع أو الاضطهاد. وأكثر من نصف اللاجئين حول العالم من الأطفال.
كان السبب الأساسي لهذا المستوى غير المسبوق تقريبًا من المعاناة الإنسانية هو الحرب الأهلية في سوريا، التي تدخل الآن عامها الخامس. لأكثر من 30 عاما، كانت أفغانستان أكبر مصدر للاجئين في العالم ، ولكن في عام 2014 تجاوزتها سوريا لتحل في الصدارة. وبحلول نهاية العام، كان 7.6 مليون سوري قد نزحوا داخل حدود البلاد. في عام 2014 وحده، هرب 1.55 مليون سوري من البلاد، ليصل إجمالي عدد اللاجئين السوريين الى 3.9 مليون نسمة. واليوم، هناك سوري واحد من أصل كل أربعة لاجئين.
وساهمت الأزمة السورية في حدوث نتيجة أخرى: أصبحت تركيا الآن موطنا لأكبر عدد من اللاجئين في العالم حيث تستضيف 1.59 مليون شخص. وقد كانت باكستان تحتل ذلك المركز سابقًا، ولكنها تراجعت إلى المركز الثاني في عام 2014، حيث تستضيف 1.51 لاجئًا. وقد مثلت الحرب الأهلية السورية ضغطًا هائلا على البلدان المحيطة بها، والتي قد استوعبت 95 في المئة من أولئك الذين لاذوا بالفرار. وقد ساهمت الحرب أيضا إلى أهم أزمة لاجئين في أوروبا: فمن بين 219000 شخص حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط، كان ما يقرب من نصفهم سوريين.
وعلاوة على ذلك، مع استمرار القتال في سوريا وإنشاء جماعة الدولة الإسلامية معاقلها هناك، وتوسعها شرقًا، شهد العراق ازديادًا في أعداد اللاجئين الخاصة به. في عام 2014، نزح 2.6 مليون عراقي آخر، ليصل المجموع إلى 3.6 مليون.
في أماكن أخرى من العالم، دفع الصراع الدائر في شرق أوكرانيا بين الانفصاليين الذين يحظون بدعم روسي والقوات الحكومية حوالي 230000 من الأوكرانيين إلى اللجوء إلى روسيا. كما شرد تجدد القتال في جنوب السودان 1.5 مليون شخص في ذلك البلد. هرب نصف مليون من المواطنين من البلاد في عام 2014. كما أدى القتال في الكونجو إلى نزوح مليون شخص آخر هناك. ومع قيام الحكومة الباكستانية بعملية عسكرية في المناطق القبلية ضد المتشددين الاسلاميين، فر نحو 283500 شخص إلى أفغانستان.
وحتى مع عقد الحكومة في كولومبيا محادثات سلام مع جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية المتمردة (FARC) لانهاء الحرب الاهلية التي استمرت لنصف قرن، نزح 137000 كولومبي آخر، وبذلك يبلغ اجمالى المشردين داخليا في البلاد 6 ملايين.
ان حل الحروب الأهلية المستمرة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا سيكون خطوة كبيرة نحو تحسين أزمة اللاجئين العالمية. فأعلى ثلاثة مصادر للاجئين – التي تشكل 53 في المئة من اللاجئين في العالم – هم سوريا وأفغانستان والصومال.
لكن 2014 شهد رقمًا قياسيًا جديدًا يشير إلى إنه من غير المرجح أن ينخفض عدد اللاجئين في العالم بصورة ملحوظة. فقد تمكن 126800 لاجئ فقط من العودة إلى ديارهم في عام 2014، وهو أدنى عدد للعائدين منذ 30 عاما.
بين الحرب الأهلية في سوريا، وانتشار الدولة الإسلامية في العراق، واستمر القتال في شرق أوكرانيا، وتفشي الايبولا في غرب أفريقيا، كانت سنة 2014 هي سنة تحذيرات كبرى حول حالة النظام العالمي. فحتى مع احتلال هذه الأزمات عناوين الأخبار، تبدو معظم اتجاهات العنف والازدهار إيجابية. فهناك عدد أقل من الناس مضى يموتون في نزاعات مسلحة. أصبحت الحرب بين البلاد تقريبا شيئًا من الماضي. ومستويات الجريمة في جميع أنحاء العالم آخذة في الانخفاض.
ولكن في مواجهة هذه التطورات الإيجابية، تبرز محنة اللاجئين في العالم باعتبارها قضية دائمة من البؤس البشري. إذا جمعت جميع اللاجئين في العالم سيشكلون بلدًا يحتل رقم 24 من حيث عدد السكان. إنه بلد لا يتمتع بأي اعتراف رسمي في النظام الدولي، ولا مقعد في الأمم المتحدة، ولا جيش للدفاع عنه، ولا أرض مشتركة. ليس لديه سوى تاريخ مشترك من المعاناة والإهمال.
ليس من الصعب تحديد السبب الرئيسي في كل هذا البؤس: استمرار الحرب الأهلية، وبشكل أكثر ضراوة في سوريا وأفغانستان. وفقا للارقام الصادرة يوم الخميس، هناك 42500 ينزحون بسبب الحرب كل يوم. وبالنظر إلى هؤلاء الحربين، فمن المرجح أن تزداد أزمة اللاجئين العالمية سوءا قبل أن تتحسن. لا يظهر على الأزمة السورية أي مظاهر للانضواء. حتى إذا سقط نظام الرئيس بشار الأسد، فإن مواطني سوريا الموالين للنظام سيمثلون الفصل التالي للنزوح من البلاد. وإذا حدثت النتيجة الأكثر احتمالا – ألا يسقط الأسد وتظل الحرب طاحنة لعدة سنوات أخرى – فإن تيار اللاجئين سيستمر في التدفق من حقول القتل السورية.
في أفغانستان، يمكننا أن نتوقع أيضًا أن تزداد أزمة اللاجئين سوءا في المستقبل القريب. مع قرار الولايات المتحدة سحب قواتها وبشكل حاسم تسليم المسؤولية الأمنية إلى الحكومة الأفغانية، من المرجح أن تصعد طالبان عملياتها ضد كابول، والتي يتوقع أن تكون نتائجها القاتمة بالنسبة للسكان المدنيين. اذا لم تنهار سوريا، قد تستعيد أفغانستان موقعها كأكبر مصدر لللاجئين في العالم.
من المؤكد أن النزاع المسلح ليس هو السبب الوحيد الذي يجبر الناس على ترك منازلهم. من بين العوامل الأخرى القهر والجوع، والمرض هي أيضا. على سبيل المثال، إريتريا، وهي دولة يحكمها نظام قمعي شديد، هي عاشر مصدر في العالم للاجئين، حيث فر 363100 شخص من البلاد.
ومع ذلك، فإن الأزمة السورية، ويليها مباشرة الصراع الأفغاني، هما الذان يبرزان في مدى البؤس الذي يسبباه في العالم. إن الحرب الأفغانية هي أهم أزمة طويلة الأمد للاجئين في العالم، تشير التطورات في سوريا إنها ستحذو حذوها. وتلك الصراعات لا تظهر أي علامات على أن تنتهي.
ترجمة: موقع راقب