المرء عدو ما يجهل, ترددت هذه الجملة على مسامعنا طوال السنين. قد تكون العبارة صحيحة ظاهرياً, ولكن هل هي مبرر للأفكار النمطية و العنصرية تجاه الثقافات الأخرى؟
هل يمكن أن تصادر أملاكك دون علمك، كيف يؤثر قانون الإرهاب على المتهمين وعوائلهم؟؟
كسوريين في المهجر في كل أنحاء العالم خصوصا, وكعرب عموما, نواجه الأفكار النمطية والعنصرية بمختلف الدرجات والأشكال والألوان.
سوريلي, يابانجي, العرب خونة, ناس رجعيين يعيشون في الخيم لا يفقهون عن الحضارة شيئا, وما إلى ذلك. حتى أن أسئلة مثل” هل تعرف ما هو الحاسوب؟ ماهو الفيسبوك؟” أصبحت مألوفة بقدر ما هي مزعجة.
لكن بالمقابل, نحن أيضاً أغلبنا لا يميز بين دولتين شرق آسيويتين, بالنسبة لنا جميعهم صيني, وهي غالبا شتيمة أن يكون أحدهم صيني في مجتمعاتنا, العيون المبطنة الصغيرة محط سخرية على مختلف الأصعدة, حتى أن التحازير تقام عليها, من مثل “إذا أغمضت عينيك نصف إغماض مثل الصينين سترى كذا وكذا”, الخ.
وظهور الجائحة من الصين لم يزد جهلنا إلا جهلا, تجاهلنا العلم والمنطقية وأساليب التفكير السليم الموضوعي, وضاعفنا من الشتيمة “صيني”.
بينما نسقي الآخرين من الكأس الذي تجرعنا منه، من كندا، الشاب الكوري المسلم أدهم, ذو الواحد وثلاثين ربيعا, تعلم اللغة العربية واستغل منصات التواصل الاجتماعي لطرح قضايا متعلقة بالأفكار النمطية بطريقة هزلية.
يلقب أدهم نفسه بفلافل كيمتشي, في إشارة إلى التقارب الثقافي. والكيمتشي نوع من الأطباق الجانبية الشهيرة في كوريا, تشبه المخللات, تتكون من خضار وخس متبل لكن تخمر بطريقة مختلفة.
في أحد المقاطع يظهر أدهم تفاعله مع العرب بعد قضاء فترات مختلفة في البلاد العربية, في البداية بعد قضاء يوم يتفاعل مع الأسئلة والأفكار النمطية بلباقة محاولا تصحيح المفاهيم فيقول ” لا لا لا, أنا كوري أنا كوري, عادي مافي مشكلة..”
وبعد قضاء أسبوع محاولا التصحيح والتوضيح والشرح مع قليل من الحزم يرد “نعم بين الآسيويين في فرق, مو نفس اللغة…”
ولكن بعد ثلاث أسابيع ينفذ الصبر من كثرة المحاولات وغالبا عدم جدواها فيستسلم ويتقبل الأفكار النمطية وكونه “صيني” ويقول بغضب ” أنا صيني نعم, كل شي صيني… خلاص يا زلمة صيني على طول.. ومناكل حشرات كلاب قطط وكلشي..اي كمان كمان .”
ليتسائل اثنان بينهما بعد رؤيته في هذه الحال:” شو مشكلته هاذا الصيني؟ ” فيجيب الآخر:”مسكين معه كورونا”.
قد لا نضع بالحسبان أثر الفضول والتساؤلات والمعتقدات التي نتمسك بها رغم عدم استنادها إلى أي دليل يعتبر, لكنها قد تؤذي متلقيها أولا, وفي الواقع تعكس صورة عن أنفسنا ليست ما نريد ايصاله وتكوينه عند الأخرين.
تواجده في كندا يتيح له فرصة التواصل والاحتكاك مع العرب من مختلف الجنسيات, ما يعطيه فرصة للتعرف على اللهجات, وهو يشارك بالفعل مقاطع له يتكلم بلهجات عربية مختلفة كالسوري والليبي والمصري واللبناني وغيرها.
كما يجيد “فلافل كيمتشي” الدبكة العربية ويشارك مع أصدقائه العرب مقاطع لهم مليئة ببهجة الاحتفالات العربية.
ولا يخلو الأمر من المقالب, حيث يفاجئ غرباء عرب بطلاقته باللغة العربية ويرصد ردود أفعالهم.
أدهم يشارك أيضا مقاطع يعلم فيها العربية والقرآن لغير العرب ويصحح اللفظ الخاطئ في الحروف والكلمات.
الأفكار النمطية تعيق التفكير السليم, وعلى الرغم من أنها من المشاكل التي كبرت في عصرنا هذا بعد الهجرات المتزايدة, إلا أنها ليست بالجديدة, وبكل بساطة حلها, “دعوها فإنها منتنة”.
بيان آغا
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع