إن الثورة السورية باتت المحور الأساسي الذي أفرز المواهب وليست فقط المواقف، فالمواطن السوري بمختلف اختصاصاته انغمس بالحدس السوري، فكان لفن الكاريكاتير ورساميه دورهم البارز منذ بدايتها.
فصحيح أنه فن ساخر وصورة تبالغ في إظهار الملامح العامة بغرض السخرية والهزل، إلا أن تلك الصورة بتعابيرها باتت كاشفة للمعنى وفاضحة للأشياء الخفية، فقِدم هذا الفن المنتشر في الوطن العربي على يد أحد رواده يعقوب صنوع عام 1878، أعطاه مكانة ليكون عرض تمثيل تصويري عن طريق رسم موضوع أو قضية بطريقة الزيادة أو النقصان للوصول للفكرة والنقد بشكل فريد ومتميز.
فبما أن أهميته تجلت كأحد الطرق التي تداولها الشعب السوري وقابلت رسومها التصورية بتأثيرها الحناجر المنادية بالحرية، فهي تلامس الواقع الملموس للشعب، كان لابد لنظام الأسد أن يحاصر ويعتقل ويهدد ويعذب ممثليها الفنانين حالياً، ويهمش دورهم ويقصيهم عن المؤسسات الحكومية ولا يعيرهم الأهمية المناسبة لعملهم سابقاً، طالما أن صداها يؤثر بنفسية الأفراد ويوضح الحقيقة موازياً بفائدته الإعلام والتقارير الصحافية.
“علي فرزات” ابن حماة الفداء رسام من بين أفضل مئة فنان كاريكاتير بالعالم، حائز على جائزة حرية الصحافة من منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2011، يقول:” أصدرتُ جريدة “الدومري” الساخرة في سورية بعد غياب للإعلام الخاص منذ نحو أربعين عاماً، بعد أن حصلت على ترخيص لها عام 2001، ثم أغلقتها السلطات في السنوات الأولى لحكم بشار الأسد بعد سحب ترخيصها” ، علماً أن علي فرزات من أوائل الفنانين الداعمين للثورة فإن لوحاته الجريئة الساخرة وخاصة التي رسم بها بشار الأسد مستهزئا ليكون في صدارة الرسامين الذين استطاعوا نقد حاكمهم وهم داخل سوريا، أثارت حقد النظام فصب غضبه عليه عندما تم خطفه من قلب العاصمة دمشق، ثم أعيد مهشم الأصابع، مكسور اليد اليسرى، حيث أكد فرزات لقناة الجزيرة، أن المختطفين خلال قيامهم بضربه قالوا له: “حتى لا ترسم مرة ثانية على أسيادك، وتتطاول عليهم يا عميل يا منحط وكلام كبير كثير، وتم حلق جزء من لحيتي وجزء من شعر رأسي، وكان الضرب يركز على اليدين والأصابع وعلى الظهر والرأس”.
ليس فقط وحده من تعرض لإرهاب النظام، فعندما رسم فنان الكاريكاتير أكرم رسلان 300لوحة واكبت الأحداث السورية منذ اللحظة الأولى، نال الشهادة تحت التعذيب في أقبية سجون النظام الأسدي بعد اعتقاله في أكتوبر 2012 من مكان عمله بمدينة حماة.
” أرسم عن سورية بيد فلسطينية، وعن فلسطين بيد سورية” كلمات عبر بها الفنان الفلسطيني السوري “هاني عباس” لصحيفة القدس العربي عن أن قضية بلديه واحدة، قضية الإنسان وحريته وكرامته، فقرر أن يعيش في مخيم اليرموك بدمشق لكي يعايش الحدث وتكون لوحاته بأحاسيس صادقة بمحاولة منه للانتصار على الموت الموجود بالواقع، بعدها تلقى عدة رسائل تهديد من النظام البعثي أجبرته على مغادرة أرضه عنوة، فواصل مسيرته الفنية الثورية وبأدق التفاصيل لكن عن بعد.
فبما أن سوريا خلال 50 عاماً كانت مقيدة بسلاسل النظام الأسدي وأرضاً خصبة للذل والقمع، هاجرت مئات الشخصيات السياسية منها والفنية، فالفنان موفق قات المقيم في كندا، اشتهر برسم الألم السوري لثلاثين عام بالسابق وبدأت فكرة رسوماته من وحي المعاناة أثناء خدمته للعلم، وبعدما تخرج من المعهد العالي للسينما بموسكو المختص بفن الرسوم المتحركة وعاد لدمشق وجدها تفتقر للخبرات بذاك الفن، فيقول:” كنت اتقاضى راتباً من الحكومة السورية ذو قيمة لا تذكر عند عملي بجريدة الثورة بدمشق كرسام، بينما آخذ أضعافه بعملي الفني في موسكو”.
فإذا كان معنى كلمة كاريكاتير المأخوذة من اللغة الإيطالية غرابة الأطوار، وكان ظهور هذا الفن بمصر عام 1250 ق.م كإشارة للعلاقات الغير متكافئة بين الحاكم والمحكوم عبر الرسوم الفرعونية، فإن وظيفته حقاً تجسدت بالواقع السوري الذي تبدل فيه دور رئيس سورية بشار الأسد من الحامي إلى القاتل لشعبه.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري