خلّفت أزمة النزوح وغياب دور الآباء الكبير والأساسي في توجيه بوصلة أبنائهم وسط أمواج الحياة العاتية، جيلاً من الشّباب لم يبق فيه أيّ هدف في حياة البعض سوى اللّعب وقضاء جُلّ أوقاتهم أمام الحواسيب أو الهواتف، لكن الأصعب من ذلك هو تحوّلهم إلى زهور عديمة الرائحة والعبق.
“حمزة” فتى صغير، جرفته أعاصير النظام كما جرفت المدن والبلدات، خارج بيته مفارقاً أهله وأشقاءَه في ريف حلب، ليستقر به المآل في تركيا مع بعض من أصدقاء عائلته بهدف إكمال تعليمه والالتحاق بالجامعة، في سبيل أن يكون مصدر مساعدة وأمل لبقية أسرته، إلاّ أنّه وجد نفسه بين فئات عمرية وخلفيات عديدة لا أحد منهم يجانس الأخر سوى بصفة اللجوء.
بعد أن اندمج حمزة مع أقران بعمره في مدرسته دون رقابة أهل أو قريب، تعلّم منهم الكسل والخمول نتيجة البقاء طويلاً أمام شاشات ألعاب الفيديو إلى أن اشترى هاتفاً، وكأنّه ملك الدنيا، فبدل أن يطمئن أهله عن وضعه، وهذه كانت الغاية من شرائه للهاتف، إذ به يصبح القرين الملازم لحمزة، لا يفارقه حتى وقت دخوله لقضاء الحاجة.
بقي حمزة بعيداً عن أهله عدة أعوام، يلعب طيلة الليل ولا ينام حتى بزوغ الفجر، وتضيع عنه المدرسة والدورات التي دفع مصاريفها، فحياته للعب فقط، حتى أنّه أصبح يكذب على أهله بأنه متفوق في الدراسة ويحصل على علامات كاملة، ليبقيهم دون دراية حقيقية تكشف لهم ستار الواقع الأليم عن إهمال ابنهم وعدم تحمّله لأدنى مسؤولية، فبالرغم من كبره، إلاّ أنّ الألعاب لا زالت تشغل هواجسه وحواسه.
ولم يقف الحال عند ذلك فقط، فقد تغيرت سلوكيات حمزة كثيراً عن بداية وصوله وقلّ انتباهه، فأصبح لا يتكلم مع أحد، ويزعج الجميع بصراخه العالي بعد منتصف اللّيل والناس النيام مما يتسبب بمشاكل كبيرة معهم.
إلاّ أنّ حمزة ليس الفتى الوحيد الذي أنتجته حرب النظام على المدنيين في سوريا، فهو أشبه بغصن صغير في شجرة كبيرة قطعتها قوّات النظام ومنعت عنها الماء لتحرمها من الحياة.
قصة خبرية بقلم: طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع