سناء وميساء، شقيقتان في عمر الزّهور، قست عليهما الحياة، وقتلت فيهما بريق الطفولة، وحرمتهما من أغلى كلمةٍ تنطق بها شفاه الأطفال، فما قصّتهما؟ ولماذا يحلمان بنظرٍ سليم وأطرافٍ ذكية؟
هل كان تدمير #مخيم_اليرموك ( #فلسطين ) مقصودا لتغيير هويته؟
تنحدر الأختان سناء وميساء من قريٍة صغيرةٍ هاجعةٍ على ضفاف العاصي، في منطقة سهل الغاب في ريف حماة الشمالي. تبدأ حكايتهما من قبل أنْ تُخْلَقا على هذه الدّنيا.
وُلِدَتْ كلٌّ من سناء وميساء لأبٍ وأمٍّ تربطهما صلة قرابةٍ، وبين الأهل مشاكل كثيرة، الأمر الذي وقف عائقا أمام زواجهما في البداية، لكن مع إصرار عماد وصمود سوسن وافق الأهل، وتزوّجا في عمرٍ صغيرة، فكلاهما لم يكمل ال16 من العمر بعد، ورزقا بطفلتين جميلتين، وجنتاهما بلون الجوري.
في بداية الحراك الثوري التحق والدهما عماد في صفوف الثورة. حملت زوجته للمرة الثالثة. وهي في الشهر الأول من الحمل استُشهِد زوجها في إحدى المعارك، ولم يتجاوز عمره آنذاك ال19 عشر، فوجدت سوسن نفسها وحيدة، بعد فقدها زوجها الذي كانت ترى العالم كله من خلاله، استشهد وترك لها طفلتين صغيرتين، وجنينا في بطنها.
علمت سوسن فيما بعد أن جنينَها الذي تحمله في أحشائها ذكرٌ، فقررت أن تسميه على اسم أبيه “عماد” لعلّه يسند بيتها الذي راحت أركانه بفقد الزوج.
انتظرت الأم انقضاء عدّتها على زوجها ثمانية أشهر على أمل أن تضع جنينها في نهاية الشهر التاسع، وقبل أن تنتهي العدّة بأيام قليلة قصفت طائرات النظام بيتهم في قرية “جسر بيت الراس”، فماتت الأم وجنينها الذي بقي في أحشائها، ولم يُقَدَّرْ له الخروج إلى هذا العالم، ولم يُكتبْ لها أن ترى عمادا للبيت من جديد. وحرمت الطفلتان من والديهما وكلمة (بابا وماما).
من هنا بدأت مأساة الطفلتين سناء وميساء، ففي القصف الذي تعرضت له القرية، ماتت الأم وبُترَتْ ساق ميساء، وأصيبت سناء بجروح كثيرة، وأصابها مرض في عينيها؛ إذْ فقدت القدرة على تركيز نظرها في الأشياء لهول الصدمة، فباتت عيناها تتحركان يمنةً ويسرةً باستمرارٍ، لاتتوقفان كما أنّ عجلة هذه الحياة تدور وتدور من حولهما ولا تتوقف.
بموت الأب ومن بعده الأم، فقدت الطفلتان الأمان، وكلّ طعمٍ أو لونٍ لهذه الحياة البائسة. أصبحتا وحيدتين في هذا العالم الموحش الذي خلا من الدفء والحنان والأمان، ولم يبق لهما في هذه الدنيا سوى جدّيهما لأبيهما اللذَيْن كفلاهما وبدأا برعايتهما.
تعرضت القرية للقصف مراتٍ ومرات بعد تلك الحادثة. ومع اشتداد القصف من قبل طائرات النظام، وحاجز جورين، نزح أهالي القرية وتركوها خاويةً على عروشها.
والآن، لم يبقَ عند سناء وميساء لا أبٌ ولا أمٌ ولا حتى بيتٌ صغيرٌ يضمّهما. وانتهت بهم الحال إلى مخيّم النّهضة (إسلامنا2) في الشّمال السوري.
تعيش الطفلتان الآن في هذا المخيم مع جدّيهما، وضعهما يندى له الجبين. الفقر يتكلّم في جنبات الخيمة، والألم محدقٌ بهما من كل جانب.
خضعت سناء لعملياتٍ عدّة في عينيها على أمل أن يعود نظرها كسابق عهده، وآخرها عملية منذ أيامٍ، ولكن دون جدوى.
وأمّا ميساء فقد حاولت جدّتها جاهدةً أن تسعى لها بأطراف ذكية لتتمكن من المشي مجددا مثلها مثل سائر الأطفال الذين في عمرها، ولكن محاولاتها كلّها باءت بالفشل.
الأطراف الصناعية التقليدية تعمل كطرفٍ مكمّلٍ للطّرف الموجود مسبقا وتتبع بعض الحركات البسيطة لمساعدة صاحب الطرف الصناعي في الحصول على حياةٍ أفضل.
أمّا الأطراف الذّكيّة فهي أطرافٌ صناعيةٌ تعتمد على الذكاء الصّنعي، فتمكّن صاحب الطرف المبتور من التّحكُّم به بشكل أفضل؛ لأنها تستخدم النّظام العصبي للإنسان في التّحكّم والتّفاعل، وتأخذ أوامرها من المخّ مباشرة كما هو الحال في الأطراف الطبيعية، وهذا ينطبق على الذراع والرّجل الصّناعية الذّكيّة على حدّ سواء، ويعطيها مرونةً عاليةً، فيؤثر إيجابيا على المريض.
تجلس سناء أمام باب خيمتها، ترقب الأطفال وهم يتراكضون من حولها ويلعبون، تتمنى لو أنّها تحصل على طرفٍ ذكيّ تستطيع من خلاله الركض واللعب معهم، والذهاب الى المدرسة والعيش كبقية أترابها.
فهل ستتحقق أمنية ميساء؟ وهل ستجد مَن يساندها ويكفلها من أهل الخير؟ وهل ستعود لهاتين الأختين ألوان الحياة من جديد؟
ظلال عبود
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع