كيف لذلك الجسد الصغير أن يقوى على كل تلك الاعمال، ما الذي يدفعه ليحمّل جسده فوق طاقته وينهكه ويتعبه، يغسلون السيارات، ينظفون الاحذية للناس على الطرقات ، يعيلون أسرهم ويلبون احتياجاتهم المنزلية، يعملون في الصناعة والزراعة والبناء والعتالة.
تشير تقديرات اليونيسف إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل يعملون أعمال غير ضارة، حيث تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في البلدان النامية، وحوالي 16% من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال.
وعلى الرغم من أن هذه الإحصائيات تشير إلى أن الغالبية العاملة من الأطفال هم من فئة الذكور ، إلا أنه تشير تقديرات اليونسيف أن 90% من عمالة الأطفال الإناث تكون في المنازل.
وقد كان للأزمة السورية نصيب كبير في ارتفاع نسبة عمالة الأطفال سواءً في الداخل السوري أو حتى في دول الجوار وفي المخيمات، حيث أنه في تقرير لمنظمتي اليونيسيف وإنقاذ الطفولة ينص على أن الأطفال بين اللاجئين السوريين في لبنان و الأردن وتركيا يضطرون للعمل في المقالع والمخابز وصناعة الأحذية لإعالة أسرهم، هذا الامر يعرضهم لمخاطر كبيرة ويجعلهم عرضة للاستغلال الجنسي، كذلك فانهم يخضعون مرغمين للأعمال الغير مشروعة كالتسول والاتجار بالأطفال أو التجنيد .
ففي احصائية لمخيم الزعتري تظهر أن ثلاثة من بين أربعة أطفال سوريين يعانون مشاكل صحية، وذلك لانهم يعملون طيلة أيام الأسبوع مقابل أن يتقاضوا ما يقارب ستة دولارات باليوم وذلك بهدف مساعدة عائلاتهم ، وهم من الفئة العمرية التي لم تتجاوز الثانية عشرة من العمر، حيث أن اصحاب العمل في لبنان والأردن و تركيا يفضلون الأطفال على الكبار وذلك لانخفاض اجورهم وعدم حاجتهم إلى تصريحات عمل .
ولا بد من الإشارة أن ما آلت إليه الأحوال العامة في الوطن العربي بعد ما يسمى بالربيع العربي والذي كان للأطفال النصيب الأكبر من التأثر مما حول حياتهم إلى خريف بكل ما تعني الكلمة، حيث تفاقمت المشاكل و الأسباب التي دفعت إلى تشغيلهم واستغلالهم والتي منها : الفقر والذي أزداد أضعافاً عما كانت عليه الحال قبل الأزمات مما دفع الاهل إلى تشغيل أولادهم لمساعدتهم في مصاريف الأسرة، كما أن لنقص المدارس وقلتها أو تكاليفها العالية دور في ترك الأطفال لمدارسهم و الاتجاه للعمل، والأهم من ذلك كله الحروب والأزمات التي تخلق عبئاً اقتصادياً كبيراً ، والتي تسببت بموت المئات من أرباب الأسر مما دفع الأطفال إلى أن يكونوا هم أرباب الأسر ويتولون مهمة إعالتها، بالرغم من كل القوانين والأنظمة التي تحرم عمالة الأطفال .
ولابد لذلك الأمر من أن يكون له أثار ونتائج على الأطفال من مختلف النواحي سواء الجسدية من حيث الأمراض وضعف البناء الجسمي ، إضافة إلى أثار نفسية واجتماعية فهو بانخراطه بالعمل لا يعيش حياة الطفولة التي يجب أن يعيشها مثله مثل باقي الأطفال في العالم كما أنه يشعر بالاستعباد من قبل أرباب العمل مع الإهانات والتعنيف الذي يتعرض له من قبلهم في حال التقصير أو عدم أداء العمل بشكل ممتاز، أضافة إلى معاناة الأطفال بهذه الحالة من الجهل وعدم القدرة على القراءة والكتابة بسبب تركهم للمدارس، وغير ذلك من الأثار السلبية التي يعانونها.
ولكن لابد من معالجة هذا الامر والسعي قدر المستطاع للحد من هذه الظاهرة التي بكل تأكيد تؤثر على المجتمع، والتي لابد من اعطائها الاهتمام الأكبر والسعي لحل مشاكل الأطفال فيها ، ذلك لأن هؤلاء الأطفال هم من سيساهم ببناء الدولة الجديدة ويسعى لنهضة بلاده وإعادة إعمارها ، ولكن للأسف لم يكن للمنظمات والهيئات العالمية منها سوى التصريحات ووضع احصائيات دون اتخاذ خطوات جدية فعالة للحد منها.
ولكن على الأقل يجب السعي إلى تغيير ثقافة المجتمع حول قبول عمالة الأطفال واستغلالهم بسبب الحروب القائمة في بلادهم، ولابد من تدعيم برامج واستراتيجيات توفر دخل بديل للأسرة وتأمين احتياجاتهم الصحية والمنزلية والتعليمية ، وتعطيهم فرصة لكي يعيشوا مرحلتهم العمرية بسلام وأمان.
باريزان اليوسف
المركز الصحفي السوري