تتسلل خيوط الشمس الذهبية معلنة عن ميلاد يوم جديد، ترتفع فيه الهمم، ويسعى كل شخص لفرصة في عيش حياة أفضل، كذلك كانت مريم(اسم مستعار) ذات الثالثة عشر عاما، تستيقظ صباحا متوجهة للعمل ولأول مرة، في أولى أيام الصيف بعد أن أنهت فصول السنة السابقة، جعلت من هذا عادة، تدرس في أوقات المدرسة، وفي العطل تعمل كمديرة منازل، ستغادر اليوم ككل فصل صيف سابق نحو المجهول، دفعتها الحاجة لذلك, ولا يفصل عن السنة الدراسية المقبلة سوى ثلاثة أشهر كاملة الأيام والساعات، تعيش مريم وسط أسرة بسيطة، الوالد طاعن في السن أهلكته مرارة الحياة، والأم تتخبط بين دروبها، كل يوم في حال، غادرت مريم دفئ أسرتها الى أحد الأحياء الراقية في مدينة تطوان لتشتغل وتكد، فتاة لا زالت غاطسة في أعماق الطفولة ستتحمل مسؤولية بيت وأسرة، ستربي وهي بنفسها تحتاج بعد للتربية! تأمل أن تساعد والديها ولو بالقليل وتنفق عن تعليمها الذي أبت إلا أن تحقق ذاتها فيه وسط هذا الواقع المرير، حياة جديدة خلف عتبة المنزل, تتوقع فيها كل شيء, يغيب فيها عطف الأب وحنان الأم و أمان الأخ، اشتغلت الطفلة مع الأسرة ثلاث أشهر متتابعة رأت فيها العجب، لم تكن تتخيل أنها ستعيش هذا، تعامل لا إنساني، استغلال مفرط، تجسيد حرفي لقولة القوي يأكل الضعيف، لم يراعى صغر سنها ولا ضعف قوتها لتتحمل ما لا يطيق أبناء عمرها، قالت بتنهيدة حارة جمعت ما عاشته.. كنت أول من يستيقظ وآخر من ينام، وقد تعلمت أن أفعل كل شيء بدقة متناهية، أتفادى التوبيخات والشتائم”
تذكر مريم ما قضته هناك تحت ضغط مريع وجرح نفسي لم يندمل ((عليا أن أقوم بعمل البيت من الألف إلى الياء، وما أن أنهي الطابق الأول حتى تأمرني أن أصعد للثاني والثالث..))
ما أصعب الظلم الذي يقع على ضعيف لا يقوى على دفعه الا بأنين الى الله، ويلا البشاعة الظالم السالب للحق الذي يتمادى ويتمادى…
هكذا قضت مريم أيام الشهور العجاف، تستيقظ كل صباح تدير أعمال المنزل وتراقب حاجات الصغار دون أي حساب لها، تقضي ساعات اليوم الطوال واقفة، لا يجوز لها أن ترتاح وما أن فعلت حتى يسقط عنها سيل من الكلمات الموبخة (جبناك تخدمي ماشي باش تجلسي) كلمات تدب في أذنها كلما أنزوت للراحة ولو لثواني، نحلت كثيرا وضاقت نفسها والشهور كأنها أعوام، لكن لا سبيل للتراجع, سألتها قائلة, ألا يوجد بديل عن هذا؟
أجابت بنفس مختنقة تكاد الدموع تنجرف ثم تشد أوتار نفسها وتقول” لا لا يوجد، لو كان هناك لفعلت، لم أحصل بعد على شهادة تؤهلني للعمل في ظروف أفضل فلازلت في المرحلة الإعدادية”.
أتممت “قريبا ستبدأ السنة الدراسية الجديدة وأعود للمدرسة”
قلب متعطش للعلم، أهداف مرسومة يأمل نسج خيوطها على أرض الواقع، فاللهم عونا على ذلك، مريم فتاة قوية تستحق كل التنويه تعمل وتدرس ولا تخاف في ذلك لومة لائم, هو عمل شريف لكن محفوف بالمخاطر, متى تبدل الزمان والمكان.
هي ظاهرة فاقت كل التوقعات فتشغيل أطفال دون السن القانوني وخاصة الفتيات, في ارتفاع مهول والأرقام في ذلك صادمة في المجتمع العربي كافة، لا بد من حلول سديدة تضع حدا لهذا الإجرام, إجرام المجتمع في حق الطفولة واغتصاب جماعي لزمنها البيولوجي. مما يترتب عنه نتائج وخيمة ليس على الطفل فقط بل تتعداه ليشمل جسم المجتمع.
صليحة اضبيّب/ المركز الصحفي السوري