نعى رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة والعديد من وسائل الإعلام الأردنية الكاتب والمحلل السياسي صالح حمد عواد القلاب العموش، الشهير بصالح القلاب الذي رحل في عمان ظهر أمس الأربعاء 25 تشرين الأول (أكتوبر) عن عمر يناهز التاسعة والسبعين.
عمان- بيروت – دمشق
ولد القلاب الذي ينتمي لقبيلة بني حسن في قرية العالوك بمحافظة الزرقاء عام 1944. درس في مدارس الثقافة العسكرية التي تقبل أبناء العسكريين، وحاز على بكالوريوس في الصحافة من الجامعة اللبنانية في ستينيات القرن العشرين. عاش صالح القلاب فترة قصيرة من حياته في سورية، حيث قصد دمشق لمتابعة دراسته هناك، وسجن عام 1966 لعدة أشهر في سجون البعث، ما مكنه من رؤية حقيقة النظام البعثي القمعي في سورية، فاتخذ منه موقفا نقديا مبكرا.
بدأ صالح القلاب حياته الصحافية في بيروت في سبعينيات القرن العشرين، بدءًا من وكالة الأنباء اللبنانية الخاصة، ثم جريدة (السفير)، كما كان في تلك الفترة مقربًا من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وقد عزز هذا موقفه من نظام حافظ أسد، وما كان يقوم به ضد القضية الفلسطينية، قبل أن يسافر إلى باريس ولندن في ثمانينات القرن العشرين ويلتحق بمجلة (المجلة) السعودية في لندن، التي فتحت له باب العلاقة مع الإعلام السعودي، وهي علاقة استمرت طويلًا سواء من خلال مقالته الأسبوعية في صحيفة (الشرق الأوسط) أو من خلال البرنامج الذي قدمه في أم بي سي.
وعلى العموم فقد عاني صالح القلاب المولود في بيئة بدوية فقيرة، في بداية حياته المهنية، من الصعوبات والتنقل بين البلدان بحثًا عن فرصة عمل، وفضاء لممارسة مهنة الصحافة، وقد لخص معاناته تلك في كتابه الذي أصدره عام 2018 تحت عنوان: (حكايات ذكرى المعاناة والألم والأسفار الكثيرة).
الحياة السياسية والوزارة
دخل القلاب الحياة السياسية حين ترشح للانتخابات النيابية في الأردن عام 1993، لكن لم يحظ بأصوات الناخبين في محافظته الزرقاء، وقبل ذلك شارك في تأسيس “التجمع العربي الديقمراطي” في عمان، لكن تجربته السياسية لم تصنع له الشهرة والمكانة التي صنعها لها الإعلام، ومن خلال حضوره الإعلامي عين في مجلس الأعيان الأردني
شغل صالح القلاب منصب وزير الثقافة ووزير الإعلام في بلاده عام 2000، ووزير الإعلام عام 2001، ووزير دولة خلال الأعوام 2001- 2002، إلى جانب عضويته في مجلس الأعيان الأردني لعدة مرات، ورئاسته لمجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون الأردني. وقد اتسم أداءه في كل هذه المناصب بالليبرالية والانفتاح إلى حد كبير، ضمن الأطر والهوامش المتاحة التي سعى لتوسيع هوامشها.
نصير الثورة السورية
عرف صالح القلاب بمناصرته للثورة السورية ضد حكم الأسد، ودافع في مقابلاته التلفزيونية ومقالاته الأسبوعية التي كان ينشرها في (الشرق الأوسط) طيلة سنوات، عن الثورة اليتيمة التي تآمرت عليها قوى الاستبداد والإجرام في العالم، وكان يردد دائما: “لا تخذلوا الثورة السورية” ، وكان آخر ما كتبه دفاعًا عن السوريين، ما وجهه للبنانيين بعد تصاعد خطابهم العنصري الاستعلائي ضد اللاجئين السوريين، في مقاله المعنون: “رفقا باللاجئين السوريين” والذي قال فيه:
” إن الغريب والمستغرَب أنه قد كانت هناك نزعة عنصرية لدى البعض ضد السوريين في لبنان، ويا لعيب وعار هذا البعض، ومن المؤكد أنه لا يمثل غالبية اللبنانيين ممن كانت أبواب «القطر السوري» مفتوحة أمامهم على مصاريعها، سواء خلال الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة وقبلها وبعدها، وهذه حقائق كانت معروفة وثابتة، وكان اللبنانيون يعيشون في دمشق الشام كما كانوا يعيشون في بيروت… وأي مدينة أو قرية لبنانية”.
كما اشتهر القلاب بتحذيره الدائم من الخطر الإيراني الذي يحيق بالدول العربية، فقد كان مؤمنًا أن لا حل مع إيران سوى المواجهة، والوقوف في وجه مشروعها التوسعي الطائفي، وكان من أشهر ما قاله ” إن إيران التي تدعم النظام السوري بالسلاح والعتاد ستجتاح المنطقة، وستأتي إليهم في عقر دارهم”.
يذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كان قد قلد القلاب، نجمة القدس من وسام القدس عام 2019 تقديرا لدفاعه المستمر عن القضية الفلسطينية.
رحل صالح القلاب، الغضوب إذا ما استثيرت الكرامة… الصادق إذا ما تحدث عن الضمير والمصلحة الوطنية والقومية.. المتدفق بالكلام إذا ما حضر ت القضية ودماء الشهداء والأبرياء… رحل قبل أن يشهد انتصار الثورة السورية وسقوط الأسد الذي طالما أسهب في فضح إجرامه ومجازره، وقبل أن يرى الخطر الإيراني الذي طالما حذر منه قد زال عن عواصم العرب، لكنه استطاع أن يسجل موقفًا للتاريخ، ضمن جملة توازنات آثر أن تكون منحازة للحق والحرية والكرامة ما استطاع لذلك سبيلًا.