كانت أيام القصف والحصار في حلب أرحم ممّا أعيشه الآن، فبعد اعتقال زوجي أبو أحمد، أسودت الدنيا في وجهي وأغلقت الأبواب، “أم أحمد” من مهجرات مدينة حلب، نزحت صحبة أبنائها إلى ريف إدلب الشمالي، أما زوجها فكان ضحيةَ اعتقالٍ ظالمٍ لم يرحم سنه وشيبته .
زوجي أبو أحمد ذو الـ (56) سنة، عتقل أثناء خروجنا من حيِّ “السكري” باتجاه حيِّ “حلب الجديدة”، ” كنتُ أخاف الخروج خشيةَ اعتقالِ الأولاد، هكذا عبرت أم أحمد عن مخاوفها، لكن زوجها أصر على المغادرة، فمخاوف أم أحمد تضاربت مع مخاوف زوجها الخائف عليهم من القصف .
خرجنا من منزلنا والغبار يملأ المكان، ورائحة الموت والبارود تفوح في الأفق، ” اتبعوني ولا تقلقوا، سيروا على محاذاة الحائط حتى نصل إلى المعبر الآمن سأذهب مع أمكم وزوجة أحمد وأولاده وإخوتكم الصغار باتجاه حلب الجديدة إلى منزل خالكم، أما أنتم تذهبون في الباصات الخضراء باتجاه إدلب لكي لا تتعرضوا للاعتقال والسوقِ للخدمة في الجيش” .
هذه تعليمات أبو أحمد التي تحكي مخاوفه علينا، تركنا الأولاد في نهاية “حي السكري” وتابعنا المسير نحو “حلب الجديدة”، خاطر أبو أحمد بحياته لينقذ أطفاله وأحفاده من صواريخ الموت والبراميل المتفجرة، لكنها الصاعقة التي نزلت على صدورنا، اختطف زوجي وزهرة حياتي من أمام عيني…”.
حاجز الجيش والشبيحة يعتقل أبو أحمد لأسباب مجهولة وحجج لا تنتهي “تدعم الإرهاب، كنت مسلح، خرجت بمظاهرة”، وصلنا ” حلب الجديدة ” بخذلان وكسرة خاطر، وتركنا أبو أحمد مجهول المصير.
جلسنا في منزل أخي بضعة أيام، لكنني لم أستطع الهدوء والسكينة هناك، فخيال أبو أحمد يراودني طوال الوقت، ظنت أم أحمد أن جلوسها عند أهلها سيسهل عليها العودة إلى المنزل، لكن لم يبق منزلٌ وذهب عمود المنزل أبو أحمد.
تبعنا الأولاد نحو إدلب، فالعيش هنا لم يعد يطاق، أكملنا حياتنا سوياً ننتظر أبو أحمد وعلى أمل عودته قريباً، لا ينقصنا شيء سواه، يأكلنا الندم واللوم وأنه كان قد ضحى بنفسه لإخراجنا سالمين من هناك “.
بقلم : ريم مصطفى