تقترب بنا الأيام للعودة إلى مأساة قرية صغيرة في الريف #الحموي، عندما استيقظ أهلها على صباح أسود على غير ما اعتادوا عليه، بعد أن نالت حمم قذائف قوات #النظام من منازلهم البسيطة وانتشار جثث الأهالي المكبلة أو بين الحقول برصاص عناصر النظام الذين اقتحموا البيوت دون سابق إنذار.
لكن صباح ذلك اليوم /7/15/ 2012 كان مختلفاً تماماً، عندما استيقظ أهالي القرية على صوت هدير المدرعات وفرقعة الرشاشات، وقصفِ الطيران، وإذ أنه حصار فرض على القرية بشكل مفاجئ ومباغت.
هنا أدرك الأهالي أنه من الصعب العثور عن ثغرة تساعدهم على الخروج من القرية، والهرب من الخوف ليواجهَ كل شخص فيها مصيرهُ المجهول الذي بات ينتظره.
وسنسرد لكم بعض الأحداث التي حدثت بالفعل وليست من سرد الخيال عن الواقعة الأليمة، عندما دخل العسكر للقرية بعد القصف الشديد والتمهيد الناري وإحكام الحصار للدخول إليها.
فها هي “أم أحمد” تسترجع بذاكرتها لتصف لنا صعوبة المشهد والعجز في ذلك اليوم، عندما عاشت حدثين مرعبين في نفس اللحظة والمكان.
الحدث الأول: عندما شاهدت الشاب “مصطفى” ذا العشرين عاماً، الذي استنجد بها بنظراته، وتعابير وجهه ِالتي يعتليها الألم والخوف والفزع مما حلّ به وهو مصاب ٌينزف، وقد رُميَ على الأرض أمام عددٍ من العساكر، وعجزت أم أحمد أمام فوهة تلك الدبابة الموجهة على منزلها، ورائحة اللحم المتفحم التي تفوح بالقرية، والتي لم تعرف مصدرها، لتكتفي فقط بالمراقبة بين الحين والآخر والبكاء من نافذة منزلها، لتصل إلى مصطفى بعد مغادرة الجيش لتجده يلفظ أنفاسهُ الأخيرة.
أما الحدث الثاني :عندما وصل الشاب “محمد” إلى منزلها مصاباً وفاقداً لكثير من الدماء، والتي لم تتردد هذه المرة في مساعدته رغم الخطر أمام تفتيش العسكر للمنازل، فقامت بإطعامه وحقنه بحقنة لتهدأَ من ألمه، حيث أصبحت رائحة الدماء تنتشر في المكان وبات العسكر على مقربة من منزلها لتفتيشه، في هذه اللحظة الحاسمة أخرج “محمد” من جيبه كل ما يحتويه من المال، والذي لا يتعدى القليل من آلاف الليرات السورية، ليفتدي به نفسه، وأعطاها لأم محمد لتقنع العسكر بعدم الدخول وتفتيش منزلها، والتي بدورها تمكنت في إخفائه، وتوسلت إلى العساكر وأعطتهم المال لمغادرة المنزل مراعاةً لخوف أطفالها الصغار.
أما عن الشاب “خالد” الذي وصل مصاباً من قناص إلى منزل السيدة “صباح” ليُسارع بخفقات قلبه وأنفاسه المتسارعة ليختبئ في” قن الدجاج”، والتي شعرت السيدة صباح بوجوده لتسارع في تقديم الطعام والدواء له ُمن النافذة، ليكتشف أحد العساكر مكانه بعد أن شاهد قدمه وأجهز عليه، ليدخل الجيش منزل السيدة صباح ليقوموا بضربها ضرباً مُبرحاً، وتجميع أطفالها محاولين قتلهم لتتوسل إليهم، وتقبل أقدامهم على أن يتركوا أطفالها، محاولةً دون جدوى إقناعهم بعدم معرفتها بوجود ذلك الشاب في قن الدجاج.
فهذه الأحداث هي إحدى آلاف الأحداث التي لم نسمع عنها ولم يتم كتابتها فكم من شهيدٍ استُشهد وماتت قصتهُ معه، وكم مصابٍ سردَ أحداثٍ، حتى ُظن أنها من نسج الخيال وهي بالحقيقة واقعٌ عاشه من صور تلك المشاهد بأحاسيسه قبل عيونه.
قصة خبرية/ غفران ديب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع