ماذا لو أنك تعتقد أنك فعلت الواجب و الصواب أنك الصالح وأنك الضحية، ثم تكتشف أنك أنت المجرم و المذنب ؟ ما السبيل للخلاص؟ هكذا حال منال (اسم مستعار) التي راحت آمالها هباء، تحكي منال قصتها البائسة مع الطلاق، هي شابة تشارف الأربعين من عمرها، لكن الناظر إليها يحسبها في عقدها الثاني و لم أبالغ، لم يكذب من قال جمال الروح مرآة الجمال الخارجي.
كذلك كانت ” منال ” رغم أنها طلقت منذ عقدين تقريبا و أم لثلاثة أطفال، ابن و بنتان، تجلس ” منال ” على أريكة تسترجع ما فات من ذكرياتها، بدت جلية كومة الأحزان التي تحملها، عاشت و مازالت تعيش معاناة صعبة في دروب هذه الحياة التي لم تنصفها في رأيها، كم مرة اعتصر قلبها ألماً و شوقاً لأطفالها التي مُنعت منهم و لم يعودوا من حقها شيء.
من ذلك الوقت التي كانت تعتقد أنها ستنال بعض الهناء، لكنها تذوقت بدل ذلك مرارة اللوعة والشوق، مذ أن لملمت ذاك اليوم ملابسها و هي شابة في عمر الزهور، ربما لم تكن تدرك حقيقة ما ستؤول إليه، ولا حتى نظرة المجتمع الدونية التي ترى في المرأة المطلقة كل العيب و كأنها كانت تعيش مع ملاك طاهر.
عادت في ذلك اليوم لحضن أبيها الذي رحب بها و لم يتركها لوهلة تتذوق سهام الكلمات، ولم تجد تلك السموم بدا من قلبها البريء المؤمن، كيف سيحدث ذلك و أمامها حصن متين يحميها، ليت كل من رمته الحياة لأحضان هذا المجتمع القاسي يجد أبا كهذا .
مرت السنون والأعوام، و منال تتحسر على أبنائها في صمت، أحيانا يأتي ابنها سراً لرؤيتها، ربما هذا كان يغطي نصف الألم ويلملم ما يلملم من الجروح، و لم تدرك الشابة المسكينة أن هناك قنابل ستنفجر في وجهها و تتلقى من الألم ضعفين، كبر الأبناء و استفاقوا وانقسموا قسمين، شطر استهوته الأمومة وتعلق بأوصالها، و شطر رفضها قطعا و لم يرضخ لها رغم كل المحاولات.
صدمت منال صدمة ذهبت بلبها، لم تكن تتخيل يوما أنها ستقابل بالرفض و مِن مَن؟ من فلذات أكبادها التي تحملت كل شيء لأجلهم وكلها آمال علقتها ذاكرتها أن في يوم من الأيام سيعودون لأحضانها، في الأخير هي الأم التي حرموا منها و حرمت منهم، لكن القدر رسم خطة مغايرة و لم يعد الأولاد بمثل البراءة التي تركتهم عليها منال، الحقد والكراهية تجاه الأم لأنها تخلت عنهم و هي أم سيئة، هذا ما دأبوا على سماعه منذ نعومة أظافرهم، تمائم عششت في عقول الصغار و باتت و هم يلاحقهم، ثم اعتقادا بعدما كبروا وصاروت شبابا، ذنبها أنها صبرت وتحملت مشقة السنين ولم تتوانى للحظة في توفير حاجياتهم على حساب شخصها لكنها تبقى المذنبة.
بات جزاؤها الرفض بعد أن كانت تأمل بأن يجتمع الشمل وتعود الفروع لأغصانها خصوصا و أن الزوج قد أسس حياة أخرى، لكن تلك الدسائس الشيطانية وقفت حاجزا أمام أحلام الأم و عاد شبه المستحيل أن يجتمعوا، و بقيت الأم المسكينة بين مطرقة المجتمع وأبنائها و باتت تتحسر على أيام شبابها التي أضاعته و راح أدراج الرياح، انهمرت الدموع من عينها كالشلال وقالت : ” لقد تحملت مشقة السنين الطوال وظننت أنهم أصبحوا أكثر وعيا و أننا سنجتمع أخيرا تحت سقف واحد “.
سألتها قائلة ” لما اخترتي الانفصال، لما ترددتي عن منح فرصة لربما كان الواقع شيئ آخر؟؟ أجابتني بلكنة الحذر والألم ” لا أستطيع قول أكثر من أنه كان قضاءا وقدر “، قلت لها : و لما لم تصطحبي أبناؤك معك؟ أجابتني بحسرة ” لم أكن لأرفض الفكرة، لكن أهل الزوج رفضوا قطعا ولم يسمحوا لي بذلك”.
أردفت قائلة : ” و هل الوضع سيستمر على هذا الحال؟ مسحت دموع عينيها وقالت بنبرة يشوبها القهر والخذلان ” سأظل أحاول كما فعلت في كل هذه السنين ربما يكون الحظ حليفي هذه المرة”، طبطبت على كتفها وقلت ” أصلح الله حالكي “، لمعت عيناها وقالت ” أتمنى ذلك ” و غادرت المكان حالا.
الواضح أن الضحية في ذلك هم الأم و أبناؤها، فلازال قلب الأم يتلظى فوق نار الشوق، و كذلك الأبناء، و من منا لا يعرف مكانة الأم في حياتنا، أصلح الله أحوالنا، هي واقعة من بين آلاف الوقائع المشابهة لنساء سلكوا نفس المسلك، رغم أن الطلاق اتسعت عباءته في المجتمع العربي إلا أن مخلفاته تروح ضحاياها الأم والأطفال، فرفقا بهم .
بقلم : صليحة اضبيب
المركز الصحفي السوري