بدا كأي يوم عادي، حركة طبيعية .. أسواق مزدحمة .. أصوات الباعة في الشوارع و أناس يتهافتون الى أعمالهم وقضاء حاجياتهم .. صوت الطيران الذي اعتادوا عليه لا يفارق مسامعهم، تقترب الطائرة منهم تلقي الموت عليهم وتبتعد.
تتعرض مدينة أريحا لقصف متكرر من أسلحة النظام ومن ثم سلاح حليفه الروسي، لتخلف الكثير من المدنيين بين شهيد وجريح.
دخان متصاعد ، جثث هنا وهناك ، أشلاء متناثرة ، دماء ودمار .. لقد أصابت السوق ..
يجتمع الناس في نفس المكان، تعود الطائرة ذاتها لتلقي عليهم موتاً آخر ..
لتقع مجزرة جديدة في سوق أريحا في نوفمبر من العام الفائت راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى بحسب الناشطين.
تأتي فرق الانقاذ لإسعاف الجرحى وانتشال الناس من تحت الأنقاض .. منهم الأموات ومنهم الأحياء.
هنا يبدأ جزء آخر من الرواية .. العديد من الناس يقفون متفرجين ليشاهدوا جثة تلو الأخرى .. داعين الله أن لا تكون جثة من يخصهم بينها.
وهناك في مكان ما من هذه المجزرة المروعة .. شخصٌ غطت دماؤه الممزوجة بغبار الموت والدمار كل شيء فيه، إلا سترته الحمراء التي ظلت تنبض بلونٍ آخر لا يشبه أي لون.
وجهه الذي لا ملامح فيه يحكي قصة مأساة أناس سيفتقدونه، سيتمنون وجود قبر يحتويه، قبر يحمل اسمه، يزورونه كل يوم ينثرون عليه الياسمين، يلقون أوجاعهم أمامه ويمضون .. بالتأكيد لديه اسم وعائلة .. وربما أبناء ينتظرون قدومه مساءً ..
اتجه المنقذون نحوه بحثوا عن ملامح .. بحثوا عن هوية، أو أي شيء .. لكن لا جدوى، لا شيء سوى دماء هنا وهناك ترسم طريقاً آخر و اسماً آخر له.
إلا أنها ليست حالة واحدة فقد بلغ عدد الشهداء منذ بداية الثورة وحتى نهاية شهر أيار/مايو 2014 بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما يقارب 230 ألف شهيد، وهناك الكثير منهم مجهول الهوية.
تأتي اللحظة الفاصلة لحظة توثيق أسماء الشهداء، ليتحول الكثيرون ممن لديهم أسماء وعوائل الى أرقام متتالية ،أو ألوان ملابس تدفن في المقابر الجماعية المجهولة .. فتبقى قبورهم مهجورة، عطشى، بلا أي زائر .. ليتحول ذلك الشاب من شخص عادي .. من اسم عادي .. إلى قبر ذو شاهدة كتب عليها (شهيد كنزة حمراء)
أريج سلامة
المركز الصحفي السوري