“الباب عطشى”.. لم تكن مجرد عبارة أطلقت لكسب التعاطف بل كانت تختزل معاناة أكثر من 300 ألف نسمة جلهم من المهجرين قسراً الذين كان لهم النصيب الأكبر من العطش في ظل شح المياه وتلوثها وغلاء أسعارها.
تفاقمت أزمة المياه التي تتصدر على رأس قائمة الأزمات التي تعاني منها مدينة الباب وسط مناشدات السكان وعجز الجهات المسؤولة عن إيجاد حلول وسد الحاجات.
في حين كانت معاناة المهجرين الذين يشكلون معظم سكان المدينة تفوق أضعاف معاناة المقيم فيها لأسباب عدة أبرزها عدم قدرته على الاستفادة من المياه التي تصل المنازل عبر الأنابيب.
عمر فردوس.. مهجر من مدينة حلب قال للمركز الصحفي السوري “إن معظم المهجرين في مدينة الباب لا يستفيدون من المياه التي تصل للمنازل إذ لا يملك معظم المهجرين عدادات المياه التي لا يمكنهم استخدام تلك المياه إلا من خلالها كون العدادات ترتبط بالمنازل وهم لا يملكون المنازل”.
وأضاف “وحتى إن وجدت العدادات فلا يملك المهجر خزانات لتخزين المياه لتكفيه أسبوع كامل، كما أنه لا يمكن للمهجر الاستفادة من المياه نهائياً إن كان من سكان المبان الطابقية المرتفعة كونه لا يملك مضخة ولا كهرباء لرفع المياه.
وأشار عمر إلى أن المياه التي تصل للمنازل لا يستفيد منها إلا “ميسوري الحال” حسب تعبيره، ممن يتملكون المنازل والكهرباء وعدادات المياه والخزانات الكبيرة ما يمكنهم من تخزين المياه لتكفيهم طيلة أسبوع كامل، أما الفقراء والمهجرون يضطرون لشراء مياه الصهاريج الملوثة ذات الأسعار المرتفعة.
وتابع عمر حديثه “إن المياه حق طبيعي لأي إنسان وحاجة ضرورية وماسة لاسمرار الحياة ونحن نطالب بحقنا الطبيعي من الجهات المسؤولة عنا”، ثم ختم حديثه قائلاً ” قال نبينا صلى الله عليه وسلم ” المسلِمونَ شُركاءُ في ثلاثٍ، في الكَلَأ، والماءِ، والنَّارِ”.
فيما أوضح “أبو محمد” مهجر من حمص ويقطن في مدينة الباب معاناته إبان أزمة المياه قائلاً “لا تكفي المياه، لا أمتلك سوى خزان 1 متر مكعب املؤه مرة في الأسبوع من مياه الأنابيب ويكفيني ليوم واحد أو ليومين في أحسن الأحوال، بينما اضطر طيلة الأسبوع لشراء مياه الصهاريج بسعر مرتفع لا يتناسب مع وضعي المادي، إذ يتراوح سعر المتر المكعب الواحد ما بين 20 و30 ليرة تركية وهذا ما يجعلني أنفق أكثر من نصف راتبي على المياه وحدها شهرياً”.
يتابع أبو محمد “وفي معظم الأحيان تكون المياه المنقولة عبر الصهاريج ملوثة بحيث تكون معكرة وذات طعم ورائحة كريهة ولا تصلح للشرب فاضطر لشراء مياه معقمة خاصة للشرب”.
أسباب وحلول
لم تكن أزمة المياه في مدينة الباب حديثة الولادة بل بلغت عامها الخامس بعد أن قطعت قوات النظام خط المياه الرئيسي المغذي لمدينة الباب من محطة “العين البيضاء” حين فرضت سيطرتها على المنطقة أواخر عام 2016.
وكان المجلس المحلي لمدينة الباب قد أقام مشروعاً بالتعاون من منظمة “‘حسان” الخيرية لتأمين المياه للمدينة في حين لم يؤمن المشروع سوى 10% من حاجة السكان للمياه، إذ تقدر حاجة مدينة الباب للمياه بنحو 30 ألف متر مكعب يومياً، بحسب تقارير محلية.
وعمل المشروع المذكور على استجرار المياه من الآبار الموجودة في بلدتي سوسيان والراعي إلى الخزان الرئيسي للمدينة ومن ثم ضخها عبر الأنابيب لتصل للمنازل مرتين في الأسبوع ليتم بيعها للسكان بسعر 4.5 ليرات تركية لكل 1 متر مكعب، وتم تخفيض فترات ضخ المياه لمرة واحدة أسبوعياً بعد شح مياه الآبار وجفاف عدة آبار نتيجة موجات الحر الشديد واستنزاف المياه، بحسب المصدر ذاته.
حملات ومناشدات أهالي وفعاليات المدينة
أطلق ناشطو وأهالي مدينة الباب حملة إلكترونية تحت وسم “الباب عطشى” ناشدوا من خلالها الجهات المسؤولة لتأمين المياه للمدينة ووضع حد لمعاناة أهلها، خلال الأيام القليلة الفائتة.
وفي ذات السياق أصدر بياناً حول حملة “الباب عطشى” أمس الاثنين 5 يوليو، وقعت عليه العديد من الفعاليات والتجمعات المدنية والثورية في مدينة الباب لإيجاد حلول جذرية لمشكلة المياه في المدينة.
جاء في البيان أن المياه حق بديهي من حقوق الإنسان وأن حرمان أكثر من 300 ألف نسمة من حقهم بالحصول على المياه من قبل نظام الأسد يعتبر جريمة حرب حسب نظام روما الأساسي والقانون الدولي الإنساني.
ونوه البيان بحجم الكارثة التي أصابت مدينة الباب بعد حرمانها من المياه من قبل نظام الأسد، مشيراً إلى اختفاء الغطاء النباتي في المدينة ومحيطها نتيجة الجفاف، حيث يتضح ذلك بمقارنة الصور الجوية للمدينة بين عامي 2017 و2021.
وطالب البيان الأمم المتحدة للضغط على نظام الأسد لإعادة ضخ المياه عبر الخط الرئيسي من محطة ضخ “العين البيضاء” التي تتغذى من نهر الفرات، كما ألقى مسؤولية تأمين المياه على عاتق الجانب التركي كون المنطقة تابعة لنفوذه.
وطالب البيان المجلس المحلي للمدينة بأداء واجبه بتأمين المياه كونه مسؤول عن الخدمات العامة، كما طالب الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة بالعمل على إيجاد حلول جذرية لمشكلة المياه باتخاذ الإجراءات السياسية والخدمية اللازمة.
الجدير بالذكر أن مدينة الباب تعاني من عدة أزمات مرافقة لأزمة المياه منها أزمة السكن والمواصلات وانتشار البطالة وتدني الوضع المعيشي والفلتان الأمني وسط عجز الجهات المسؤولة عن إيجاد حلول لأي منها.
بقلم سدرة فردوس
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع