يواجه بعض السوريين الذين يعيشون في تركيا صعوبات كبيرة في مغادرتها إلى بلد غربي، خصوصاً أصحاب الشهادات العليا الذين تعلن تركيا حاجتها إليهم، فيما لا تقبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا غيرهم
بالرغم من الفرص المحدودة أمام السوريين للدخول في برنامج إعادة التوطين التابع للأمم المتحدة، تزداد أعداد اللاجئين الممنوعين من مغادرة الأراضي التركية، مع أنّهم حصلوا على تأشيرة لإعادة التوطين في كلّ من أوروبا وكندا والولايات المتحدة. يجد الممنوعون من السفر أنفسهم أمام خيارين، إمّا قبول العمل بصفة غير قانونية برواتب متدنية، أو محاولة الوصول إلى أوروبا عن طريق الهجرة غير الشرعية.
أكدت منظمة “أوكسفام” البريطانية غير الحكومية، في تقرير أصدرته، في مارس/آذار الماضي، أنّ الدول الغنية لم تقدم وعوداً بتوطين سوى 1.39 في المائة من نحو خمسة ملايين لاجئ سوري موزعين على دول الجوار. ودعت إلى زيادة هذه النسبة وتقاسم عبء المهاجرين.
لا أرقام دقيقة عن أعداد السوريين الذين منعتهم السلطات التركية من المغادرة بالرغم من حصولهم على إعادة التوطين وتأشيرات دخول إلى أوروبا وأميركا الشمالية. يجمع الذين التقت بهم “العربي الجديد” من الممنوعين من المغادرة على أنّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أبلغتهم أنّ عدد الملفات يتجاوز ألفاً، جميعها لمهاجرين حاصلين على شهادات جامعية. لا إمكانية لهؤلاء للاعتراض أمام السلطات التركية على عدم منحهم الإذن بالمغادرة. ولم تحصل “العربي الجديد” على أيّ رد رسمي من المديرية العامة للهجرة التركية أو المفوضية حول القضية.
تبرر الحكومة التركية رفضها إعادة توطين البعض بأنّ الدول الأوروبية وأميركا وكندا لا تلتزم بمعايير إعادة التوطين، وبدل أخذ الأكثر احتياجاً لإعادة التوطين كالجرحى والمرضى والأشخاص ذوي الإعاقة ممن يحتاجون إلى عناية لا تستطيع أنقرة تقديمها لهم في ظل الأعداد الكبيرة، تعمد الدول الغربية إلى انتقاء ذوي الخبرات وخريجي الجامعات ممن تتقلص كلفة دمجهم. وبذلك، يبقى في تركيا ذوو التعليم المنخفض وغير القادرين على العمل. تعتبر أنقرة أنّها في أمسّ الحاجة إلى ذوي التعليم العالي والخبرات لمساعدتها في التواصل مع باقي اللاجئين السوريين وتسهيل عملية دمجهم في المجتمع التركي.
يقول محمد، وهو حاصل على ماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة حلب: “غادرت حلب مع زوجتي وطفلي إلى تركيا بعد اندلاع الحرب، وتقدمت بطلب لإعادة التوطين إلى المفوضية في يوليو/ تموز 2014. تطلبت العملية نحو سنتين، أجرينا خلالها عدة مقابلات مع موظفي المفوضية، والسفارة الأميركية، واللجنة الدولية الكاثوليكية التي تنسق جزءاً من عمليات إعادة التوطين في الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، حصلنا على تأشيرة لدخول الأراضي الأميركية”.
يؤكد محمد أنّه فكر في التوجه إلى أوروبا بقارب عبر اليونان عدة مرات، قبل أن يتلقى اتصالاً من المفوضية يبلغه بتحويل ملفه إلى السفارة الأميركية لإعادة التوطين. يقول: “لم أحصل على أيّ عقد عمل نظامي في تركيا، ودوماً كان راتبي بالكاد يكفيني لتلبية مصاريفي اليومية ودفع إيجار المنزل، لا أرى لي ولأطفالي أيّ مستقبل هنا”.
بعد أن قبلت الولايات المتحدة إعادة توطين محمد، يؤكد الأخير أنّ المنظمة الدولية للهجرة اشترت بطاقة طيران له ولعائلته نحو كاليفورنيا. لكن قبل أسبوع من موعد الطائرة، رفضت السلطات التركية منح محمد إذناً بالمغادرة من دون إبداء أيّ أسباب.
من جانبها، تؤكد الطبيبة النسائية نهى (اسم مستعار) أنّ السلطات التركية رفضت منحها وزوجها وعائلتها إذناً بمغادرة تركيا. تقول: “معظم أفراد عائلتي يعيشون في الولايات المتحدة، أخي طبيب هناك، ولم يبق لنا أحد في سورية. بعد حصولنا على موافقة لإعادة توطيننا، بعت كلّ الأثاث المنزلي الذي اقتنيته في إسطنبول، وجهزنا كل شيء، لكن لم تمنحنا السلطات التركية إذن مغادرة”. تضيف: “لا أملك إذن عمل رسمياً، ولم أحصل وزوجي على أيّ وظيفة. زوجي متخصص في الغدد الصمّاء، لماذا عليه أن يتعلم اللغة التركية ويعدّل شهاداته في تركيا وهو حصل مسبقاً على فرصة عمل بمساعدة أحد أصدقائه في الولايات المتحدة؟”.
اتخذت الحكومة التركية عدداً من الإجراءات لتحسين حياة السوريين، منها الإعلان في يناير/ كانون الثاني الماضي عن منح إذن عمل رسمي للاجئين السوريين. وسمحت لأصحاب الأعمال الأتراك بتشغيل ما لا يزيد عن نسبة 10 في المائة من العاملين لديهم من السوريين، أملاً في ثني السوريين عن محاولة عبور البحر نحو الاتحاد الأوروبي. وأعلنت الحكومة التركية في مايو/ أيار الماضي أنّها منحت 3800 إذن عمل للاجئين السوريين. لكنّه رقم ضئيل للغاية مقارنة بأعداد السوريين، والتي وصلت بحسب الإحصاءات الحكومية التركية، إلى مليونين وسبعمائة ألف لاجئ.
وبالرغم من تأكيد الحكومة التركية نيتها اتخاذ عدد من الإجراءات لتسهيل منح الجنسية التركية لذوي الكفاءات من السوريين، لم تتخذ أيّ خطوات في هذا الأمر بعد، بخلاف حصول السوريين على الجنسية التركية بالقوانين الموجودة حالياً، كالإقامة والعمل في تركيا لمدة خمس سنوات، أو الزواج لأكثر من ثلاثة أعوام من مواطن تركي أو مواطنة.
يؤكد نائب رئيس جمعية حقوق اللاجئين الدولية إبراهيم إرغين أنّ الدولة التركية، منذ ستة أشهر تقريباً، تمنع المتعلمين السوريين من مغادرة تركيا، بعد حصولهم على إعادة التوطين. يقول: “يبرر المسؤولون الأتراك الأمر بأنّه لو أراد الغرب أن يتصرف بشكل إنساني، فليأخذ جميع اللاجئين بغض النظر عن كفاءاتهم العلمية”. يضيف: “لكن، في المقابل ليس لدينا أي سياسات دمج تجاه اللاجئين السوريين، وتصرّف الحكومة التركية هو ردّ فعل ليس إلّا، فلا يمنح المتعلمون من اللاجئين وظائف تبعاً لمستواهم العلمي. وفي نفس الوقت لا يمنحون إذن مغادرة”.
من جهته، بقي ماهر مصطفى، وهو حاصل على ماجستير في الفلسفة، وحده في تركيا، بعد حصول عائلته على إعادة التوطين في ألمانيا. لم يتمكن وحده من الحصول على إذن مغادرة بالرغم من تقدمهم جميعاً بالطلب نفسه إلى المفوضية. يقول: “أكدت لي السفارة الألمانية أنّ السلطات التركية تمنع المتعلمين السوريين من مغادرة تركيا، وأنّ أقصى ما يمكن أن يفعلوه هو التواصل مع المفوضية لممارسة المزيد من الضغط على السلطات التركية”.
مقيمون شرعيون
تقول المحامية دويغو الجوخدار حول مدى قانونية منع مغادرة الحاصلين على إعادة التوطين: “لا يحق للحكومة التركية من الناحية القانونية منع أيّ من الحاصلين على إعادة توطين بشكل شرعي، من مغادرة البلاد، خصوصاً أنّ جميع المقيمين من السوريين على الأراضي التركية يعتبرون مقيمين بطريقة شرعية تحت بند الحماية المؤقتة”.