كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول حل نهائي للأزمة السورية يحسم كل ما هو عالق منذ نحو عشر سنوات. لا أحد يقول من يمتلك مفاتيح هذا الحل السحري، وكم يستغرق إنجازه. ولكن الجميع يبدأ من الخلاف الروسي السوري وينتهي بقانون قيصر الأميركي. مرورا طبعاً بـ”النصر” الروسي على تركيا في إدلب، ومحاولة لم شمل الكرد في مناطق شمال شرق البلاد.
قبل البحث في حل اللغز المرتقب، لا بد من ذكر الثوابت التي لم تتغير في الأزمة حتى الآن. فعلى الضفة الدولية لا يزال الاتفاق على عدم تغيير الرئيس بقوة السلاح ساري المفعول. كذلك حال الاتفاق بأن سوريا لن تكون غنيمة طرف واحد، ولكن المكاسب ستوزع وفقا لخارطة الميدان.
تغيرت هذه الخارطة كثيرا خلال سنوات الحرب طبعاً، ولكن هناك حد أدنى للمكاسب لا يبدو أن أي من المحتلين الخمسة، أميركا، وروسيا، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، سيقبل التنازل عنه مهما طال أمد الأزمة. كل منهم دخل سوريا لمصلحة إستراتيجية، ولن يعود دونها أو يتخلى عنها، إلا بحرب أو بمقابل يفوقها قيمة وأهمية.
بالنسبة للأطراف المحلية وهم، النظام والأكراد والمعارضة، لكل طرف غايته التي لم تتحقق حتى الآن؛ بشار الأسد يريد استعادة السيطرة على البلاد وكأن شيئا لم يكن. والصوت النافذ في المعارضة يريد استبدال الأسد بمرشد الإخوان أو الجولاني. أما الأكراد فيريدون إقليماً ذاتياً لا يقل استقلالاً عن كردستان العراق.
ويرفض الأطراف الثلاثة مراجعة غاياتهم هذه رغم عدم واقعيتها. ولكن السوريين عموماً لم يعودوا أصحاب قرار في قضيتهم بعدما تحولت إلى صراع دولي. الأمثلة كثيرة ولا يمكن لأي من اللاعبين المحليين نكرانها أو تبريرها.
هناك سوريون كثر في الداخل والخارج لا حول لهم ولا قوة، يريدون بلادهم دولة ليبرالية موحدة. ولكن هذا الخيار أيضاً لا يناسب اللاعبين الدوليين ولا المحليين مهما زعموا حرصهم على وحدة الأرض وسيادة الدولة السورية.
وأمام كل هذه التناقضات كان ولا يزال الخيار الأفضل للجميع هو أن تبقى الأزمة معلقة. لا يريدون حلها ولا يريدون إخمادها. هم فقط يحركونها ببطء شديد يواكب الملفات المرتبطة بها في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحدث اختراقا سريعاً في الأزمة السورية هو إزاحة بشار الأسد عن السلطة بانقلاب أبيض من داخل النظام. وربما حملت الأشهر القليلة الماضية أملاً باحتمال حدوث ذلك بعد الجفاء الذي ساد بين الأسد والروس مؤخرا. خاصة وأنه ترافق مع خلاف ظهر فجأة واتسع بسرعة بين رأس النظام وابن خاله رامي مخلوف. وهذا الخلاف بين الاثنين مؤشر على عمق الخصومة الروسية الإيرانية الحالية في سوريا.
بين طهران وموسكو اليوم ما صنع الحداد، كما يقال. ليس فقط بسبب محاصرة الروس لمخلوف ذراع إيران الاستثماري والميليشيوي في سوريا. وإنما لأن القيصر فلاديمير بوتين يسمح لإسرائيل باستهداف القوات الإيرانية في أي زمان ومكان. وربما يكون هو من يزودهم بإحداثيات المواقع الإيرانية التي يتصيدها الإسرائيليون بين الحين والآخر.
ثمة تواطؤ روسي آخر على الإيرانيين زاد من حدة الخلاف بينهما. وهو إبعاد طهران عن ملف إدلب وحصره بين موسكو وأنقرة. ولا نذيع سراً بالقول إن كل الضغوط التي يمارسها الروس على الإيرانيين فوق الأرض السورية، تبهج الولايات المتحدة وتقرب المسافات كثيرا بين موسكو وواشنطن.
الاعتراف بحق القوات الروسية في البقاء على الأراضي السورية بعد انتهاء الأزمة، هو واحد من مؤشرات التشجيع الأميركي لموسكو على الصدام مع طهران. ولكن هل بلغ هذا التشجيع حداً كافياً لإحداث قطيعة بين الطرفين؟
هل اتسعت الهوة بين حلفاء دمشق إلى حد الإطاحة بالأسد؟ وهل إزاحته الآن تحسم الخلاف لصالح أي من الطرفين، أم تزيد الأمر تعقيداً؟ وقبل هذا وذاك، هل طي صفحة الأسد في تاريخ سوريا يكون فقط بقرار فردي روسي أو إيراني؟
هناك حلان للأزمة السورية، القاسم المشترك بينهما هو التخلي عن الرئيس. الأول يتمثل بإزاحة الأسد عبر انقلاب أبيض من داخل النظام. وهو حل سريع ومغرٍ ويتجدد الرهان عليه كل بضع سنوات. لكن سرعان ما تخفق التوقعات ونعود إلى الحل الثاني المتمثل بمفاوضات جنيف التي لا يستعجلها أحد أبداً.
المفاوضات حل بطيء لن يثمر حتى يتفق الجميع على موعد وآلية لرحيل الأسد عن السلطة، ولكنها الخيار اليتيم الوحيد المتاح. خاصة إذا ما كذبت نبوءة مخلوف بزلزال إلهي يدمر النظام، أو فشل قانون قيصر الأميركي بلف حبل ثورة شعبية جديدة حول رقبة الرئيس وحلفائه.
نقلا عن صحيفة العرب