دمشق – «القدس العربي»: تتجه أنظار السوريين إلى التظاهرات المتعاظمة التي تشهدها مدينة السويداء، جنوب سوريا، والتي يرصدها النظام السوري، ما جعله يضغط على فعاليات حزبية تابعة له، للخروج بمسيرة مؤيدة له، تضم طلاباً وموظفين من المدينة، التي ينتظرها حسب مراقبين مستقبل غامض ومفتوح على جميع الاحتمالات، لكن الواضح أن السويداء تعيش عبر مظاهراتها الجريئة، منعطفاً صعباً كباقي المحافظات.
مدير شبكة «أخبار السويداء 24» قال إن آخر مظاهرة خرجت في السويداء كانت يوم الأربعاء في ساحة الفخار، بعد مظاهرات يومية مناوئة للنظام السوري، بدأت منذ يوم الأحد الماضي، وقد توقفت التظاهرات الخميس، وسط دعوات لتجديدها يوم غدٍ السبت.
وعزا ريان المعروفي في حديثه مع «القدس العربي» توقف المظاهرات الخميس إلى التضييق الأمني الذي «باتت تتبعه سلطات النظام السوري، حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية أحد المتظاهرين الذي مازال مصيره مجهولاً حتى اليوم، كما اعتدت قوات النظام على متظاهر آخر بعد انتهاء احتجاجات الأربعاء، محاولة اختطافه من قبل مسلحين تابعين لأجهزة الأمن لكنهم فشلوا في العملية، فضلاً عن نشر حواجز طيارة بين الحين والآخر، وتعزيز المراكز الأمنية وتهديد المتظاهرين بالاعتقال».
ووفقاً للمتحدث من مدينة السويداء، فإن «المتظاهرين يعيدون ترتيب أوراقهم، وتنظيم بيتهم الداخلي، بعد التطورات الأخيرة، عازمين على تجديد احتجاجاتهم السلمية»، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وتنحي رئيس النظام السوري، والتنديد بتردي الأوضاع المعيشية. وكان المتظاهرون قد رفعوا شعارات مطالبة بإنهاء «الاحتلال الروسي والإيراني» للبلاد، وهي ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها السويداء احتجاجات شعبية ضد النظام السوري أبرزها موجة الاحتجاجات في كانون الثاني/ يناير 2020، التي شهدت مواقف رسمية من شيوخ وفصائل محلية مسلّحة.
أمّا ما يميّز الموجة الحالية حسب ما يقول الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي لـ»القدس العربي»، فهو تفاقم تردي الأوضاع المعيشية واستمرار سياسات النظام السوري الأمنية بحق الأهالي والذي عمد مؤخراً لتوظيف الفليق الخامس لإحكام سيطرته على المنطقة أمنياً، مما يؤشر لاستمرار هذه الموجة وإن كان على فترات غير متّصلة زمنياً بالضرورة؛ على غرار ما تشهده محافظة درعا من مظاهر احتجاج متعددة بين انخفاض وارتفاع في الوتيرة منذ توقيع اتفاق التسوية في تموز/ يوليو 2018.
وكان النظام السوري يعتمد سابقاً، في تحييد شريحة واسعة من المجتمع عن الخروج ضدّه، على قدرته على تقديم الرعاية والخدمات للمواطن، الذي بات أمام خيارات محدودة جداً لضمان الاستقرار على المستوى المعيشي والأمني.
أما حالياً، فيقول الباحث السياسي عاصي إنّ النظام السوري يبدو أمام تحدّيات غير مسبوقة؛ إذ تعاني العديد من المناطق من غياب الخدمات الحكومية وتباطؤ قدرة مؤسسات الدولة على الاستمرار لا سيما بعد انهيار إدارة اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي، مما يقوّض قدرته على خلق انقسام طويل الأمد في صفوف القوى المحلية لمحافظة السويداء.
وفي الواقع، هناك ما يدعو للاعتقاد بأنّ السكان المحليين في محافظة السويداء باتت لديهم الرغبة في تحدي السلطة الأمنية والعسكرية، وقد يشمل ذلك لاحقاً السلطة الإدارية؛ مثل عدم الاستجابة للخروج بمسيرات تأييد تحت تهديد الفصل الوظيفي. لكن هذا المسار لا يعني بالضرورة حصول تغيير غير معقول في الارتباط القسري للمحافظة بالنظام السوري على المدى القريب.
الباحث السياسي، إبراهيم العلبي اعتبر أن مظاهرات السويداء الحالية تختلف بالزخم والشعارات عن سابقاتها، معتقداً في حديثه مع «القدس العربي» أنها لن تخمد سريعاً. ولكن إلى أي مدى سيتمكن المحتجون من مقاومة الضغوط وحملات القمع التي بدأت بالاعتقالات، فهذا برأي المتحدث لـ»القدس العربي»، يعتمد «على مدى تجاوب مناطق ومحافظات أخرى بحيث يتم تعميم الحراك وهذا ما بدأنا نتلمس ملامحه إذا لم يوضع حد للانهيار الاقتصادي والمعيشي».
ويدرك محتجو السويداء ومعارضو النظام فيها، منذ البداية حسب ما يقول الباحث السياسي، مدى تحكم النظام بوضعها الأمني وقد استخدم سابقاً «شبيحته» ورجال أمنه من أبناء المحافظة لوأد كل حراك في مهده ولذلك كان خروج مسيرات التأييد أمراً متوقعاً لكنها تبدو فاقدة العزيمة والدافع تماماً حتى في أوساط أكثر الشبيحة ولاءً، عازياً السبب إلى عجز النظام عن تمويل شبكته الاجتماعية والأمنية التي تؤمن له تفوقاً أمنياً.
نقلا عن القدس العربي