العالم الذي أصبح في متناولك بكبسة زر، الشبكة الزرقاء العنكبوتية التي أعطتك عالما افتراضيا تجول فيه كما تشتهي وأنت جالس على كرسيك، تتأمل كل ذاك التغيير الجذري الذي طرأ على جميع الأصعدة في حياتك بعد هذه الثورة الجديدة.
العالم الافتراضي الذي يقال عنه أنه منح الحرية لمن لا يستطيع والذي ساهم بالكثير من الانجازات
وتدخل حتى بصنع الثورات على غرار ما حدث في الوطن العربي، ليس هذا وحسب بل أمست هذه الشبكة تتحكم بمصيرنا جميعا دون شعور بل وبرضا جامح منا.
على الصعيد الأسري
بقدر ما كان لها ذلك النفع بقرب المعلومة، وسهولة الانتشار للفكر والنصح والتسلية بقدر ما كانت أسوأ عدو للمجتمع الأسري، فبات كل فرد من أفراد الأسرة يهيم على وجهه قبالة شاشة خرساء تحرك مشاعره أكثر من أي شيء آخر، بل وتتحكم بأسلوب حياته وتفرض أسلوبها عليه، وخاصة فئة الشباب الذين باتوا مرهونين بهواتفهم النقالة، وسماعات رأسهم التي تفصلهم عن الواقع الذي يشعرون بعدم الانتماء إليه، وآباءهم الذين لا يتفهمون حاجاتهم، فبالمقابل هناك الأصدقاء الفيسبوكييون والتويتريون والانستغراميون الذين يشبعون غرور كل فرد بحسب حاجته وظرفه ويلاحقونه على السراء والضراء حسب رأيه، وهنا يمسي رهينه لعالم سطحي لا يدرك خباياه ولا وراء قناعه ولا يعرف مدى خطورة أن البيوت أسرار، فلا يصبح هناك قيمة للحياة الاسرية ولا لحرمانية البيت ولا لأهله، لكن الآمر لم يتوقف عند الأبناء فحتى الأمهات والآباء باتوا يرون عالما يحمل عنهم وزر أعباء الحياة ويخفف حمول الدنيا وضغوطها، وهنا أصبح كل في واد يشتري حلما وصفحة بقليل من الابتسام والتفاعل والتآخي الفيسبوكي.
التقييم السطحي
لا يخفى على أحد أن الصفحات باتت مرتعا لكل باحث عن الشهرة، والاحتفال بذاته النرجسية على الملأ، فظهرت الابداعات المختلفة والمواهب الكثيرة التي كانت مدفونة تحت غبار الفرص، ولكن طفت موجة أخرى من شرائح كبيرة، تريد إثبات أنها تليق بالشبكة كثيرا، فترى من يلقي بجملة أفرغ ما تكون من المعنى وهنا لن تتفاجأ كثيرا، بل ستصدم عندما ترى أن عدد (اللايكات) والتعليقات أكثر من أن تحصيه يديك ورجليك ضرب عشرة!!
وهنا ستعرف أنك في زمن يقيمك بحسب معجبيك ومتابعيك على الصفحات الاجتماعية، والغريب أنك قظ تتساءل ماذا لو كان هذا الشخص على أرض الواقع لحما ودما، وبدون شهرة من يلتفت لما يقول حينها، وإن كان وعرفه الناس عن قرب هل كانوا ليلهثون وراءه بعد الاحتكاك به ومعرفة الكثير من الحقائق التي تظهر تزييف شخصه في العالم الافتراضي.
وفي زحمة الفيسبوكيين ترى الكثير من الشخصيات التي لا تبحث عن الشهرة بقدر ما تريد تقديم نفعا للمجتمعات الراقية التي تهذب العقل والقلب معا، وهنا يكمن الرهان من الأصلح للبقاء في زحام أزرق لا يرحم ولا يقف في زمن سريع كسرعة الضوء، وانت كفرد وراء الشاشة تقف أحيانا على مفترق شبكات!!
وحينها بكبسة زر تعرف مع أي موجة أنت ولأي ثقافة تنتمي.
العلاقات في الشبكة الزرقاء
مع كل هذه الموجة الجارفة في صفحات التواصل، وسهولة أن يكون كل شيء متاحا بات الحب من أسهل السلع التي تباع بلا أي ثمن، فالترويج لعاطفتك لم يضحي صعبا، ما هي إلا بعض كلمات يرتعش لها فؤاد من تريد، وبعض أبيات من الشعر والجمل الرنانة والصور الخليعة
والتي تخلو من أي رادع أخلاقي، جدى تركض الفريسة إلى شباك صفحتك ولتبدأ المنافسة على أشدها في الاستباق لإرضاء صاحب وجه جميل آو صدر عار أو كلام منمق.
ولكن هناك علاقات انتقلت من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، وكانت جدية لحد ما ولم تكن لتصيد الفرص وحسب، بل أيضا يوجد الكثير من الحالات التي أثبتت أن العالم الافتراضي يمكم أن يكون جديا فأثمرت عن زواج ناجح بكل المقاييس
ولكن تبقى حالات قليلة بالنسبة للموجة الجارفة من الادعاءات وحالات النصب والتزوير وفضح الأعراض وانتهاكات حرمات البيوت، وكم من جريمة كان سببها صورة أو حديث أو مقطع فيديو انتشر فسبب مصيبة.
نعم هناك الكثير لم يطرح في المقال، فالمجال الازرق، كبير ويتسع للكثير من القصص، والأمثلة التي لا ينحصر الكلام عنها، أنت كفرد ليس عليك إلا محاكمة ذاتك ضميرا، لا مجتمعا، فالضمير هو الذي يفرض عليك ركوب موجتك التي تفضلها، ومع كثرة المغريات بات من السهل الالتحاق بكل رخيص وتافه، ولكن هناك أمور قد ترفع من قدر متابعتك وتقييمك للعالم مم حولك، قضايا كبيرة عالمية وأشخاص يرفعون مستوى قدرك، بفكرهم
أنت لست مطالبا أن تكون مثاليا، ولكنك قد تكون مطالب بأن تبحث عن الإنسان داخلك وحينها تكون اقتربت كثرا من الكمال!.
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد