لم يكن لروسيا أن تتجرأ على التدخل في سورية لولا وجود حاضنة أهلية تؤمن لها البقاء بأقل الخسائر الممكنة. فموسكو التي تمسك حالياً بالملف السوري، تدير وتوجه جماعات حليفة لها، من دون أن تفقد سوى عدد قليل من الجنود والأموال، خصوصاً بعد سحب معظم الآلة العسكرية من الساحل والإبقاء على ما يؤمن مواصلة القتال بأجساد الحلفاء المحليين.
لا شك في أن تراجع الدور الأميركي شجّع الروس على التوغل في سورية، وحجز منطقة نفوذ تتمثل بـ “سورية المفيدة”، لكن ذلك دُعّم بعنصر داخلي تمثل بوجود طائفة تخشى على نفسها فيما لو رحل النظام الذي يسطو على قرارها. لقد استغلت موسكو الخوف العلوي لتستثمر به فتخلق حيزاً حمائياً لمعادلة تدخلها في سورية، وتضمن وجود من يقاتل عنها. ذاك أن الصراع الذي مرّ بتحولات الثورة والحرب الأهلية، وراهناً الاستثمار الإقليمي والدولي، يؤسس لتحولات مماثلة في علاقة العلويين بهذا الصراع، جرى التعامل معها بدافع واحد هو الخوف على الوجود.
فالعلويون الذين خاضوا المرحلة الأولى دفاعاً عن الرئيس السوري، انتقلوا للانخراط في حرب أهلية ضد الأكثرية السنية، ليصبحوا الآن جنوداً يحاربون لأجل مصالح روسيا. وإذا كان الأسد المستفيد من خيار العلويين في الطور الأول، فقد أضيفت إيران في الطور الثاني لتنظم صفوفهم ضمن حرب إقليمية تشنها على سنّة المنطقة، ولتضاف في الطور الثالث طموحات فلاديمير بوتين.
وعلى رغم التشابك في استثمارات الجهات التي تتلاعب بمخاوف العلويين، فإن مصالح منفردة تبرز أيضاً، لا تخفي رجحاناً روسياً على بقية الأطراف. فالأسد يعلم أن بقاءه بات مرهوناً بإرادة روسية، وطهران لا تستطيع أن تجني أي مردود لمشاريعها في سورية من دون التفاهم مع موسكو، ما يعني أن العلويين اليوم هم جنود القيصر غير المباشريين، علموا بذلك أم تغافلوا عنه.
الأخبار التي تواترات في الفترة الأخيرة من الساحل تشير إلى ارتياح علوي بعد التدخل الروسي وخيبة بعد الانسحاب. ذاك أن الأسد أمسى في الوعي الباطني للطائفة شخصاً يستغل لحم أبنائها للبقاء في منصبه، فيما الحليفة إيران تريد تحقيق مكاسب على حسابهم أقلها ضمهم إلى مشروعها المذهبي، أي تغيير هويتهم.
لكن ما لم تتنبه له غالبية العلويين حتى الآن أن موسكو تريد تثبيتهم في واقع الاستثمارين الأسدي والإيراني، وتراقب مصالحها تتحقق من دون أي خسارة تتكبّدها.
الحياة