دمشق – شكل تعيين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسفير موسكو لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، ممثلاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات مع سوريا، مادة دسمة في الفترة الأخيرة، لاسيما وأن هذه الخطوة تأتي في سياق بوادر تؤشر على تغير في السياسات الروسية حيال الأزمة السورية التي طالت دون أفق يوحي بقرب إسدال الستار عنها.
ويعزز هذا التعيين صلاحيات السفير الروسي وتدخلاته في قرارات النظام السوري لاسيما ذات الأبعاد الاقتصادية، التي باتت تحتل الأولوية لدى موسكو مع اقتراب دخول قانون “قيصر” الأميركي حيز التنفيذ، وتنامي المخاوف من تفجر الأوضاع الاجتماعية.
ومن شأن قانون قيصر أو “سيزر” الذي سيجري تفعيله بداية يونيو المقبل أن يزيد من حجم الضغوط الاقتصادية على نظام الأسد، في ظل انهيار متسارع لقيمة الليرة السورية، وانفجار صراع بين الأخير وآل مخلوف الذين يمسكون بعصب الاقتصاد السوري.
وتخشى روسيا انهيار الإنجازات التي حققتها منذ تدخلها المباشر في سوريا عام 2015، وتريد تطعيم أدواتها العسكرية بأخرى سياسية فاعلة على الأرض بدل الاقتصار في كل مرة على إيفاد مسؤولين، إلى دمشق لتمرير رسائل إلى نظام بشار الأسد.
وشكك المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يحي العريضي في السبب الذي أعلنته موسكو عن تعيين يفيموف ألا وهو تعزيز العلاقات مع سوريا، متسائلا هل الطرفان في حاجة إلى المزيد من توثيق الروابط فيما موسكو تعد حامية النظام وداعمته الأساسية سواء من خلال مواقفها في الأمم المتحدة وتصديها لـ14 مشروع قرار يدين الأسد أو من خلال تدخلها العسكري المباشر لصالحه؟
وقال الدكتور العريضي إن الجانب الأكثر واقعية هو أن روسيا بلغت زاوية مستعصية مع هذا النظام المشلول داخليا في ظل اقتصاد منهار وتهتك اجتماعي لا يمكن ترميمه لاسيما مع اقتراب تنفيذ قانون قيصر، زد على ذلك الملفات الإجرامية التي تلاحقه بينها استخدامه الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين.
وأوضح المتحدث باسم الهيئة أن روسيا تدرك أن الاقتصار على الجانب العسكري فقط لا يستوي مع المتغيرات الجارية وبالتالي لا بد من تفعيل أدواتها السياسية والدبلوماسية في ظل تطلعها إلى نيل الحصة الأكبر من سوريا، وفرض حل سياسي يخدم مصالحها بالدرجة الأولى.
وظهرت في الفترة الأخيرة بوادر تململ من الكرملين تجاه الأسد ومواقفه غير المرنة بشأن الحل السياسي ومسايرته لإيران، فضلا عن فشله في ضبط الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرته، وتجلى هذا التململ من خلال الحملة التي قادتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين على الرئيس السوري الذي اتهمته بالعجز.
وينظر إلى الموقف الروسي على أن الكرملين بات مقتنعا بضرورة تعديل سياساته، وعدم الاقتصار على الجانب العسكري الذي استوفى موجبات حضوره، وأن تعيين يفيموف سيعزز حضور موسكو السياسي في دمشق، وقد يشكل بشكل أو بآخر تقييدا لتحركات الأسد.
وقال الخبير في الشؤون الروسية محمود الحمزة إن تعيين يفيموف ينطوي على دلالات عميقة في ارتباط أساسا بالمرحلة المقبلة التي تتحضر لها روسيا داخل سوريا.
وأشار الخبير في تصريحات لـ”العرب إلى أن هذا ثالث مبعوث خاص إلى سوريا بعد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي أشرف على العديد من جولات التفاوض في ما يتعلق بمساري أستانة وجنيف ومدير قسم الشرق الأوسط في الخارجية الروسية سيرغي فرنشين.
وأوضح أن هذه من المرات النادرة التي تعين فيها موسكو مبعوثا خاصا في دولة ما (سبق وأن عينت مبعوثا لها لدى أوكرانيا)، في مؤشر واضح على احتلال سوريا الأولوية في الأجندة الخارجية لروسيا.
وسبق أن شغل ألكسندر يفيموف منصب سفير روسيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أن يجري نقله منذ نحو سنتين إلى دمشق، فيما بدا تحضيرا لهذه المرحلة، التي تراجع فيها الخيار العسكري بعد أن نجحت روسيا في قلب موازين القوى ميدانيا لصالح الأسد، من خلال استعادته لأكثر من نصف المساحة السورية، فيما تخضع الأجزاء المتبقية لاتفاقات خفض تصعيد بشكل معلن ومبطن.
ويرى الخبير في الشؤون الروسية محمود الحمزة أن “المرحلة الجديدة التي تقبل عليها سوريا تتطلب رؤية جديدة لاسيما في علاقة بالبعدين السياسي والاقتصادي، وبدل إرسال مسؤولين على غرار وزير الخارجية سيرجي لافروف أو وزير الدفاع سيرغي شويغو فإنه سيكون من العملي أكثر تعيين مبعوث خاص على اتصال مباشر بالقصر الجمهوري في دمشق لنقل الصورة بشكل أوضح للكرملين، أو لإرسال رسائل أو قرارات إلى نظام الأسد”.
ويلفت الخبير إلى أن المتغيرات الطارئة على الساحة السورية، وبروز غضب روسي حيال سياسات الأسد، ينذران بأن عمر الأخير في السلطة شارف على النهاية. ولا يستبعد وجود ترتيبات أميركية روسية إسرائيلية تقوم على تفعيل القرار الأممي 22/ 54 الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم معارضين وموالين للنظام.
نقلا عن صحيفة العرب