الغضب من إيران والغرب جعل الدب الروسي يتخبط، ويقدم مواقف متناقضة، فروسيا لم تكن في يوم من الأيام حليفاً للصليب الأحمر، ولا صديقاً للإنسانية، فمجازرها معروفة، وتاريخها في مجال حقوق الإنسان مخضب بالدم
وزير الخارجية الروسي غادر لوزان غاضباً بعد أن رأى كيف تنبطح إيران للغرب، وقد كان يظنها أكثر إخلاصا لشعاراتها التي تنادي بالموت لأميركا وإسرائيل وتلعن اليهود!
لقد تفاجأ الروس أن الإيرانيين وعملاءهم احتفلوا بالعودة إلى الحضن الأميركي تحديداً، متجاهلين مشاعر روسيا في اللحظة نفسها، وبذلك فإن مخاوف روسيا أن تصبح إيران قاعدة استخبارية جديدة على حدودها مبررة ومشروعة، ولكنها غير كؤودة لأسباب تاريخية سنذكرها.
الغضب من إيران والغرب جعل الدب الروسي يتخبط، ويقدم مواقف متناقضة، فروسيا لم تكن في يوم من الأيام حليفاً للصليب الأحمر، ولا صديقاً للإنسانية، فمجازرها معروفة، وتاريخها في مجال حقوق الإنسان مخضب بالدم. والعالم بمن فيهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن يتذكرون معارضة روسيا لهدنة إنسانية ومعبر آمن للمساعدات الإنسانية في سورية، ثم بعد ذلك بدأت تبتز المجتمع الدولي عن طريق ربط أي قرار إنساني بخصوص سورية بقرار يخص شرق أوكرانيا.
وعشية تقديم المسودة الروسية لمجلس الأمن نسأل: هل روسيا تدعم إيران في اليمن؟ أم أنها تعمل لمصالحها في معارضة أي موضوع ترحب به أميركا أو تقف بالحياد تجاهه؟ من المهم قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال العودة إلى التاريخ، فالمعاهدة بين إيران والاتحاد السوفيتي عام 1921م تمنح الروس الحق في التدخل في إيران لإزالة أي تهديد لأمن روسيا القومي. وعندما وقعت طهران على معاهدة بغداد عام 1955م أبدى الروس امتعاضهم من ذلك وعلى مدى عشر سنوات شن الاتحاد السوفيتي حرباً أيديولجية على إيران مستخدماً في ذلك حزباً شيوعياً يسمى (حزب توده إيران) تأسس بعد احتلال السوفيت لإيران عام 1941م. وقد توقفت هذه الحرب الفكرية بين البلدين عام 1965م عقب توقيع اتفاقية اقتصادية ضخمة بين روسيا وإيران. ورغم تغير النظامين فإن معاهدة 1921م والمادة الخامسة منها على وجه التحديد تلقي بظلالها على العلاقات الإيرانية الروسية.
وإذا كانت روسيا قد تنفست الصعداء بقيام ثورة الخميني فإنها اليوم تعيد حساباتها وتقلب في ملفات علاقاتها مع طهران بعد أن أبدى الإيرانيون احتفالية بعودة الثقة إلى العلاقات الإيرانية الأميركية خاصة والغربية عموماً، وهو ما لم تكن روسيا مستعدة لقبوله إلا بعد أن رأت تنازلات إيرانية لم تخطر على بال للروس، وعندها أيقنت أنه موسم هجرة القرار الإيراني إلى الغرب، وقد يكون من المناسب التعامل مع إيران الحليف الأميركي الجديد كتعاملها مع إسرائيل فالفرس والصهاينة وجهان لعملة واحدة.
وبالعودة إلى السؤال السابق، فإن الجواب لا يمكن أن يكون بالوضوح الذي نتمناه؛ فروسيا ترحب باتفاقية لوزان من منطق أن لديها الحق في لجم إيران متى دخلت تحت المادة الخامسة من معاهدة 1921م، وفي الوقت ذاته فإنها ترغب في حلول عاجلة للموضوع الأوكراني، ولا تريد أن تفقد تنسيقها النفطي مع إيران حتى ترتفع أسعار النفط، إضافة إلى وجود حلف روسي إيراني جزائري يتعلق بتصدير الغاز. ولذلك فإن اهتمامها باليمن والحالة الإنسانية فيه ليس اهتماماً مبدئياً وإنما كما تصفه الصحافة الأميركية موقف درامي تناور فيه روسيا من أجل مصالحها فقط.
الروس لا يثقون في الدول العربية والخليجية خاصة التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع أميركا، ويعتبرون أن أي موقف يصدر منها إنما تم بإيعاز أميركي، أضيف إلى ذلك ثأراً قديماً يتعلق بالدور الذي لعبه العالم الإسلامي في مواجهة الشيوعية، وطرد الروس من أفغانستان، وحربي البلقان، والشيشان، ثم ملف أسعار النفط مؤخرا. ولذلك فإن الموقف الروسي من عاصفة الحزم له مبررات تتجاوز دعم النفوذ الإيراني. الروس لم يستطعيوا على مدى عقود النيل من الولايات المتحدة الأميركية والغرب، ولذلك فإنهم سوف يستميتون للانتقام من حلفاء أميركا عن طريق قرارات يرغبون في تمريرها عبر مجلس الأمن، وتحديداً البند السابع، مستغلين الهدنة النفسية بينهم وبين الغرب عقب اتفاقية النووي الإيراني، ومستفيدين من ضعف إدارة الرئيس باراك أوباما واستماتته للتقارب مع إيران. روسيا تستطيع الشوشرة لأهداف متعددة، وهنا سيكون اختباراً حقيقياً للقوى العظمى المؤيدة لهذه الحرب التي يشنها التحالف العربي لدعم الشرعية، فأميركا وبريطانيا وفرنسا تملك حق الفيتو في مقابل روسيا والصين، وكما تلوح به روسيا لإجهاض أي قرار يخص سورية، فعلى هذه الدول الثلاث ممارسة هذا الحق لدعم الشرعية. وإذا تخاذلت أميركا وبريطانيا وفرنسا، وخذلت دول التحالف فقد يكون في ذلك خير أنه حصل مبكراً مما يمكّن دول التحالف من إعادة حساباتها السياسية بما يخدم مصالحها وأمنها الوطني والإقليمي والعربي.
وخلال هذه الفترة ربما يكون هناك خيانات، وشراء ولاءات، على غرار الموقف الروسي، ونشاط القاعدة الأخير، ولكن المملكة وحلفاءها لديهم الكثير من عوامل القوة للمحافظة على زخم هذه الخطوة الشجاعة لدعم الشرعية، وقد يكون من الأفضل للمنطقة برمتها دعم التحاف لأن له أهدافاً محددة ومسوغات شرعية، وخذلانه سوف يجر المنطقة لويلات لن تكون المملكة ودول التحالف هي الخاسر الأكبر فيها.
وأيا كانت دوافع روسيا في تقديم مسودة قرارها لمجلس الأمن، فإن الواقع لا يسير وفق هواها، فالتحالف سوف يواصل حربه العادلة، وعلى روسيا أن تثبت حسن نواياها في مواقع أخرى مثل سورية، وعندها سوف يعزز ذلك مصداقيتها إن أرادت أن يكون لها دور مقبول في القضايا العربية. والسماح لروسيا وإيران بالتقاط أنفاسهما في اليمن سيكون له عواقب وخيمة، فثمان وأربعون ساعة ربما تكون كفيلة في تغيير كفة المواجهة إلا إذا تم تنفيذ أي قرار بخصوص المساعدات الإنسانية تحت إشراف قوات التحالف، بما في ذلك إخضاع أي طائرة متوجهة لليمن خلال الهدنة للتفتيش في أحد مطارات دول التحالف قبل وصولها اليمن وبعد خروجها منه.
لقد تفاجأ الروس أن الإيرانيين وعملاءهم احتفلوا بالعودة إلى الحضن الأميركي تحديداً، متجاهلين مشاعر روسيا في اللحظة نفسها، وبذلك فإن مخاوف روسيا أن تصبح إيران قاعدة استخبارية جديدة على حدودها مبررة ومشروعة، ولكنها غير كؤودة لأسباب تاريخية سنذكرها.
الغضب من إيران والغرب جعل الدب الروسي يتخبط، ويقدم مواقف متناقضة، فروسيا لم تكن في يوم من الأيام حليفاً للصليب الأحمر، ولا صديقاً للإنسانية، فمجازرها معروفة، وتاريخها في مجال حقوق الإنسان مخضب بالدم. والعالم بمن فيهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن يتذكرون معارضة روسيا لهدنة إنسانية ومعبر آمن للمساعدات الإنسانية في سورية، ثم بعد ذلك بدأت تبتز المجتمع الدولي عن طريق ربط أي قرار إنساني بخصوص سورية بقرار يخص شرق أوكرانيا.
وعشية تقديم المسودة الروسية لمجلس الأمن نسأل: هل روسيا تدعم إيران في اليمن؟ أم أنها تعمل لمصالحها في معارضة أي موضوع ترحب به أميركا أو تقف بالحياد تجاهه؟ من المهم قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال العودة إلى التاريخ، فالمعاهدة بين إيران والاتحاد السوفيتي عام 1921م تمنح الروس الحق في التدخل في إيران لإزالة أي تهديد لأمن روسيا القومي. وعندما وقعت طهران على معاهدة بغداد عام 1955م أبدى الروس امتعاضهم من ذلك وعلى مدى عشر سنوات شن الاتحاد السوفيتي حرباً أيديولجية على إيران مستخدماً في ذلك حزباً شيوعياً يسمى (حزب توده إيران) تأسس بعد احتلال السوفيت لإيران عام 1941م. وقد توقفت هذه الحرب الفكرية بين البلدين عام 1965م عقب توقيع اتفاقية اقتصادية ضخمة بين روسيا وإيران. ورغم تغير النظامين فإن معاهدة 1921م والمادة الخامسة منها على وجه التحديد تلقي بظلالها على العلاقات الإيرانية الروسية.
وإذا كانت روسيا قد تنفست الصعداء بقيام ثورة الخميني فإنها اليوم تعيد حساباتها وتقلب في ملفات علاقاتها مع طهران بعد أن أبدى الإيرانيون احتفالية بعودة الثقة إلى العلاقات الإيرانية الأميركية خاصة والغربية عموماً، وهو ما لم تكن روسيا مستعدة لقبوله إلا بعد أن رأت تنازلات إيرانية لم تخطر على بال للروس، وعندها أيقنت أنه موسم هجرة القرار الإيراني إلى الغرب، وقد يكون من المناسب التعامل مع إيران الحليف الأميركي الجديد كتعاملها مع إسرائيل فالفرس والصهاينة وجهان لعملة واحدة.
وبالعودة إلى السؤال السابق، فإن الجواب لا يمكن أن يكون بالوضوح الذي نتمناه؛ فروسيا ترحب باتفاقية لوزان من منطق أن لديها الحق في لجم إيران متى دخلت تحت المادة الخامسة من معاهدة 1921م، وفي الوقت ذاته فإنها ترغب في حلول عاجلة للموضوع الأوكراني، ولا تريد أن تفقد تنسيقها النفطي مع إيران حتى ترتفع أسعار النفط، إضافة إلى وجود حلف روسي إيراني جزائري يتعلق بتصدير الغاز. ولذلك فإن اهتمامها باليمن والحالة الإنسانية فيه ليس اهتماماً مبدئياً وإنما كما تصفه الصحافة الأميركية موقف درامي تناور فيه روسيا من أجل مصالحها فقط.
الروس لا يثقون في الدول العربية والخليجية خاصة التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع أميركا، ويعتبرون أن أي موقف يصدر منها إنما تم بإيعاز أميركي، أضيف إلى ذلك ثأراً قديماً يتعلق بالدور الذي لعبه العالم الإسلامي في مواجهة الشيوعية، وطرد الروس من أفغانستان، وحربي البلقان، والشيشان، ثم ملف أسعار النفط مؤخرا. ولذلك فإن الموقف الروسي من عاصفة الحزم له مبررات تتجاوز دعم النفوذ الإيراني. الروس لم يستطعيوا على مدى عقود النيل من الولايات المتحدة الأميركية والغرب، ولذلك فإنهم سوف يستميتون للانتقام من حلفاء أميركا عن طريق قرارات يرغبون في تمريرها عبر مجلس الأمن، وتحديداً البند السابع، مستغلين الهدنة النفسية بينهم وبين الغرب عقب اتفاقية النووي الإيراني، ومستفيدين من ضعف إدارة الرئيس باراك أوباما واستماتته للتقارب مع إيران. روسيا تستطيع الشوشرة لأهداف متعددة، وهنا سيكون اختباراً حقيقياً للقوى العظمى المؤيدة لهذه الحرب التي يشنها التحالف العربي لدعم الشرعية، فأميركا وبريطانيا وفرنسا تملك حق الفيتو في مقابل روسيا والصين، وكما تلوح به روسيا لإجهاض أي قرار يخص سورية، فعلى هذه الدول الثلاث ممارسة هذا الحق لدعم الشرعية. وإذا تخاذلت أميركا وبريطانيا وفرنسا، وخذلت دول التحالف فقد يكون في ذلك خير أنه حصل مبكراً مما يمكّن دول التحالف من إعادة حساباتها السياسية بما يخدم مصالحها وأمنها الوطني والإقليمي والعربي.
وخلال هذه الفترة ربما يكون هناك خيانات، وشراء ولاءات، على غرار الموقف الروسي، ونشاط القاعدة الأخير، ولكن المملكة وحلفاءها لديهم الكثير من عوامل القوة للمحافظة على زخم هذه الخطوة الشجاعة لدعم الشرعية، وقد يكون من الأفضل للمنطقة برمتها دعم التحاف لأن له أهدافاً محددة ومسوغات شرعية، وخذلانه سوف يجر المنطقة لويلات لن تكون المملكة ودول التحالف هي الخاسر الأكبر فيها.
وأيا كانت دوافع روسيا في تقديم مسودة قرارها لمجلس الأمن، فإن الواقع لا يسير وفق هواها، فالتحالف سوف يواصل حربه العادلة، وعلى روسيا أن تثبت حسن نواياها في مواقع أخرى مثل سورية، وعندها سوف يعزز ذلك مصداقيتها إن أرادت أن يكون لها دور مقبول في القضايا العربية. والسماح لروسيا وإيران بالتقاط أنفاسهما في اليمن سيكون له عواقب وخيمة، فثمان وأربعون ساعة ربما تكون كفيلة في تغيير كفة المواجهة إلا إذا تم تنفيذ أي قرار بخصوص المساعدات الإنسانية تحت إشراف قوات التحالف، بما في ذلك إخضاع أي طائرة متوجهة لليمن خلال الهدنة للتفتيش في أحد مطارات دول التحالف قبل وصولها اليمن وبعد خروجها منه.
د. عبد الله بن موسى الطاير – صحيفة الرياض