إحدى علامات التغير الثقافي والاجتماعي تجلّت في شهر رمضان، وكيفية تمضيته عند الكثير من الشباب السوري، وهنا نخص الشباب، لأنهم البيئة الأكثر خصوبة للتأثر بالبيئات الجديدة.
في أوروبا، وتركيا بدرجة أقل، بدأت ظاهرة الإقلاع عن الصيام عند الشباب السوري بالانتشار، ومردّ هذا يعود لعدة أسباب؛ منها، مثلاً، انسلاخ هؤلاء فجأة من جوهم الأسري ومواجهة مجتمع غربي جديد لوحدهم على حداثة عمرهم.
وما يصب الزيت على النار هنا هو هذه المجتمعات الجديدة المتفلتة من ضوابط كثيرة عاش عليها هؤلاء الشباب، وهذا طبعًا يلاقي هوىً في نفوسهم بالنظر إلى طبيعة مرحلتهم العمرية.
من خضوع في لا وعيهم دون أي مقاومة للقيم الغريبة عنهم.
تطفو على السطح بعض التبريرات التي يسوقها الشباب، كطول يوم الصيام، خصوصاً في بعض البلدان الأوروبية؛ حيث يصل عدد ساعات الصوم قرابة 20 ساعة، وهو أمر لم يعتادوا عليه في سورية.
كذلك يساهم في الإعراض عن الصوم، وفق رأي الكثيرين، تفكك المجتمع السوري اللاجئ إلى حد كبير ووصول الروابط الجامعة المانعة إلى حدها الأدنى، وهنا المسؤولية تبدو كبيرة على الرعيل الأول من المهاجرين وعلى المنظمات والهيئات التي انتشرت كالنار في الهشيم بين السوريين في المنافي.
أما النقطة الأبرز في هذا الباب، فهي سريان الأفكار اللادينية كنتيجة واضحة للصدمة التي عاشها الكثير من استمرار آلة القتل الرهيبة في سورية دون رقيب أو حسيب.
يعبرون عن سخطهم وغضبهم من سفك دماء أهليهم بهذه الطريقة الانفعالية التي تصل إلى حد التشكيك بوجود عدالة في الأرض، وهذا انعكاس واضحٌ لمشاهد القتل والدمار التي ملأت الأسماع والأبصار ولم يتحرك أحد لإيقافها.
في السياق نفسه، عانى شبابٌ سوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من ضيق أفق بعض مسؤولي الفصائل المسلحة وما نتج عنه من نهج سلوكي غريب عليهم؛ ما دفع فئة منهم لأخذ موقف من الدين، كان الامتناع عن الصيام ملمحه الأبرز.
وهنا الحديث قطعاً لا يشمل الذين كانوا يعيشون في مناطق سيطرة “داعش”. ولهذا قصة مختلفة تمامًا بعدما شاهدوه، فخلق لديهم ردات فعل عنيفة كان لشهر رمضان منها نصيب وافر.
لا يعني هذا في حال من الأحوال أن الشباب السوري قد أقلع عن صيام شهر رمضان، وإنما هو رصد لفئة منهم تبقى في كل الإحصاءات ظواهر ملفتة للنظر يقابلها الغالب الأعم الذي ما زال مقبلًا على الصوم لكن مع تغييرات جذرية في العادات السلوكية المصاحبة للشهر الكريم. فهم يفتقدون الجو العائلي الحميم عرفوه مع أسرهم في سورية قبل أن يغادروها.
لكن هناك استثناءات في بعض مجتمعات اللجوء، خصوصاً تركيا؛ حيث تمكّن السوريون عبرها من نقل ما استطاعوا من تراثهم الرمضاني، فأصبح مشاهدًا بكثرة تجمع الشبان السوريين قبيل الإفطار وكذلك قبيل صلاة التراويح، وهو ما يلاحظ إنما على نطاق أضيق في ألمانيا.
شهر الصوم هو إحدى الساحات التي كانت مسرحًا ساخنًا لتجاذبات الثورة السورية مع اكتساح واضح للشباب القابضين على ما عاشوا عليه قبل الثورة، لكن مع تغيير شبه كامل لعاداتهم الرمضانية التي وجدوا آباءهم عليها.
العربي الجديد