لقد جعلَ من جسدي لوحةً فنية، لوحةَ قهرٍ وعذاب، يرسمها ذاكَ الشيطانُ بلكماته و ضرباته العنيفة، تلك التي لطالما اعتدت عليها عند أي موقف، “باتَ الأزرقُ يتحلُ معظمَ مساحاتِ جسدي، ذاك كلامها وهذا حالها، إنها “لين” ذات السادسة عشرَ ربيعاً، فتاةٌ رقيقةُ المظهرِ ذاتَ طابعٍ ملائكي، تقولُ أنها لطالما كانت تحلمُ بلبس فستانها الأبيض، بحفلةٍ زفافٍ وبطفلها الأول.
في إحدى ليالي الربيع، بدأ بابُ منزلنا يُطرقُ بسرعةٍ و قوة، من ياترى!! هرعتُ لأفتحَ البابَ وإذ بلين ترمي نفسها في أحضاني، (انقذيني ارجوكِ، لقد كاد يقتلني ذلك المجنون، ماعاد اتحمل وطاقتي خلصت)، كانت ملامحُ لين كفيلةً بأن تروي الحكايةَ كاملة.
ملاح خوفٍ و رعب سادت وجهها الطفولي، كدماتٌ فوقَ عينها ونزيفٌ من أنفها
لم أتفاجئ من ذلك، فلقد اعتدت على إنقاذ لين لعدة مرات من بين يدي ذلك المتوحش، لم تكن المرة الأولى التي تتعرض لين للتعنيف الجسدي والضرب العنيف.
قالت لي لين : أرجوكِ اتصلي بأمي فلم اعد التحمل والرجوع إلى بيت الرعبِ ذاك، لقد أخذ مني هاتفي لكي لا أخبر أهلي بالحادثة، ذهبت لين وجنينها ذو الأربعِ شهور حمل مع أهلها، لا تريدُ شيئاً سوى الأمان و بعد انتهاء فترة الحمل وضعت لين طفلتها الأولى، لكن سرعان مافقدتها، فوالدها الذي كان ينتظرها على باب المشفى أخذ الطفلة بدون ثياب و في ساعاتها الأولى والقاها إلى والدها ..قائلا : ” نحنا ما منربي ولاد مو إلنا خود بنتك وروح “.
كانت تلكَ مصيبةٌ بحقِ لين، استيقظت من عناءِ الولادة و لكن بدون ثمر، فلم تكحل عينيها بوجه طفلتها الملائكية، وهنا باتت تعاني لين كل أنواع الحرمان، والعنف الأسري ونبذتها الاجتماعية “هذه الفتاة المطلقة لو ماكانت سيئة ما تركا زوجا”، هذه الكلمات كانت سيوفاً تنزل على صدر لين، تترك بداخلها جروحا وندباتٍ لا تدمل، ماكان وجعي وألمي بس جسدي، كنت عاني كتير، ماتوقعت هيك نظرة المجتمع إلي،كانت لين تبحث عن طريقٍ للخلاص، أي ناحيةٍ كانت تلتجئ فيها من مرارة العيش وضيق النفس.
يتقدم للين رجلٌ لخطبتها ولكنه من عمر أبيها، وافق أهلها من دون الرجوع إليها، فكيف تسأل وهيَ المطلقة بنظرهم!! و أنا وافقت كمان بدي بس اخلص من هالعيشة ونظرة المجتمع إلي وبلكي هالزلمة بكون منيح معي .
زفت لين لعريسها الجديد، كانت غزالاً شارداً يفترسهُ أسدٌ ضاري، و هكذا تستمرُ حياةُ لينَ التعيسة، حياةَ الحرمانِ من أبسط الحقوق، فلم تكن تدرس في الثانويةِ كمثيلاتها ولا تعيش مع شريكِ الحياةِ المناسبِ لعمرها، كانت تأسى وتكابدُ تلك الفتاة.
وليسَ فقط لين على هذا الحال، بل كُنَ كُثر، ففي آخر إحصائيات الأُممِ المتحدةِ للنساءِ اللواتي يتعرضنَ للعنفِ الجسدي كانت الأرقامُ صادمة ف 19% من النساءِ بينَ ال 15و ال49 يتعرضن لذلك العنف، فهل يا ترى ستبقى حال تلك النساءِ على ماهو عليه؟ يعانينَ ويقاسين!! أم ستكون بصمةٌ للمجتمع و منظماته تكون ذات نتيجة لحمايةِ حقوقِ النساء وتحفظُ كرامتهن.
بل وعلى علماء الأمة الحثَ على نشرِ الوعي من على المنابرِ عملاً بقول رسولِ الأمةِ ” استوصوا بالنساءِ خيرا، وهن المؤنساتُ الغاليات “، وقالَ: ” خيرُكم خيركم لأهلهِ وأنا خيركم لأهلي “، ” رفقاً بالقوارير”، وآخر وصاياهُ عليهِ السلام ” الصلاةُ أو ماملكت أيمانكم، اتقو الله بالنساء فهنّ عوانٍ عندكم “.
ريم مصطفى
المركز الصحفي السوري