في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية، وما يعصف بالشرق الأوسط من عدم استقرار سياسي وأمني، وانعكاس رغبة بعض الدول العربية والإسلامية في المشاركة بالحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، جاءت مناورات رعد الشمال” كأكبر مناورات شهدتها منطقة الشرق الأوسط في تاريخها بعد قوات حرب الخليج الثانية”، والتي نُظمت منذ أقل من شهر، في مدينة الملك خالد العسكرية، بشمال المملكة العربية السعودية.
وشاركت فيها قوات تابعة لعشرين دولة، على رأسها الإمارات وقطر والكويت والأردن ومصر وتركيا، واعتبرت رسالة واضحة بأن المشاركين يقفون موحدين لمواجهة “الإرهاب”!.
رسمياً كان هدف المناورات هو تطوير كفاءات القوات السعودية، ورفع جاهزية القتال لدى الجيوش العربية لحماية الشعب العربي والإسلامي من أخطار “الإرهاب”، ولكي يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات من التنظيمات الإرهابية، وأهمها “داعش”.
الخبير العسكري والإستراتيجي مأمون أبو نوار قال: “إن السعودية وبقية الدول المشاركة في “رعد الشمال”، حققت نجاحا كبيرا في وقت قصير، مقارنة بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأوروبا، والولايات المتحدة الأميركية، حيث إن التخطيط لمثل هذه المناورات يستغرق مدة أطول.
ووصفت هذه المناورات، بأنها تمرين “عملياتي تكتيكي”، وقد تتحول إلى “مناورة قتالية” عند الحاجة للتدخل في أي مكان من العالمين العربي والإسلامي، مثل سوريا أو العراق!.
وكان إعلان المناورات، قد شمل إرسال طائرات حربية إلى قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا، بقصد استهداف تنظيم “داعش” في سوريا، والاستعداد للمشاركة بقوات برية للغرض نفسه.
وعلى الرغم من أن المناورات لم تشهد حضورا تركيا رسميا، إنما تمثلت بحضور ضابطين فقط من الجيش يمثلان تركيا، شاركا بصفة “مراقب” في المناورات، مع إرسال 400 جندي إلى الأراضي السعودية، إلإ أن ذلك لا يخفي حقيقة الدور التركي، وانتشار القوات الجوية السعودية في تركيا.
وكما أن انضمام تركيا فسره مراقبون على أنه استعداد جدي من دول المنطقة للتدخل العسكري في سوريا، تنفيذاً لما يسمى الخطة “ب”، في حال فشل هدنة وقف إطلاق النار في سوريا، وهي التي أكد عليها أيضاً وزير الخارجية السعودي سابقاً.
وقد عدّ محللون سياسيون أن المملكة العربية السعودية نجحت في جمع تركيا ومصر في منطقة حفر الباطن خلال مناورات رعد الشمال، على الرغم من خلافاتهم السياسية طوال الأشهر الماضية، وهو ما اعتبر أن السعودية قادرة على جمعهما مرة أخرى!.
فقد كانت طبيعة العلاقات المصرية التركية على أحسن حال في فترة سابقة، وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك شهدت العديد من المنحنيات، حيث صعدت تارة، وهبطت تارة أخرى، وظلت على حالها، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير، وانتخابات عام 2012م التي فاز فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي بكرسي الرئاسة، فانتعشت العلاقات وازدهرت كثيرًا، لتعود إلى التوتر مرة أخرى، بعد عزل مرسي بإنقلاب عسكري، ووصول السيسي إلى سدة الحكم.
وعقب وفاة العاهل السعودي السابق الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي كان يُعد الداعم الأبرز لنظام الرئيس السيسي، ووصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم، بدأت خريطة السياسات الخارجية للمملكة تشهد تحولًا بعض الشيء، حيث بدأت مؤشرات التقارب السعودي- التركي واضحة، إلا أنها ظهرت جلياً بعد إعلان السعودية إنشاء تحالف إسلامي بمشاركة تركيا.
ثم إن مسيرة المصالحة أكملها الملك سلمان، حيث سعى إلى تقريب وجهات النظر بين تركيا ومصر، عبر أكثر من لقاء مشترك مع الجانب المصري، لكن كل هذه اللقاءات شابها الكثير من الغموض، وحرصت الأطراف الثلاثة على عدم الحديث عن مخرجاتها، لكنها تأتي في إطار رغبة المملكة في إنهاء الخلافات بين القوى السنية في المنطقة.
في الوقت نفسه، تسعى السعودية إلى الحفاظ على علاقتها الإستراتيجية مع مصر حفاظاً على التوازن، إذ ترى المملكة أنه كان من الأفضل لو أن مصر دخلت طرفاً ثالثاً في هذا التحالف الإسلامي، لكن القاهرة ترفض الفكرة من أساسها، بسبب موضوع “الإخوان” الذي أصبح عقدة لعلاقات مصر الإقليمية، لا سيما مع تركيا.
أخيراً مع أن مصر ليست بعد طرفاً في هذا التحالف، إلإ أن موقع السعودية الحالي يسمح لها بأن تكون جسر تواصل، وربما تقريب بينها وبين تركيا.
إن الحديث عن توحيد المصالح بين السعودية ومصر وتركيا في هذا التوقيت يمكن أن يكون بعيدًا عن الواقع، فأولوية الرياض اليوم، والتي تشاركها فيها أنقرة بشدة، هي مواجهة التنظيمات الإرهابية وأبرزها”داعش”، ومنع انهيار المعارضة السورية المسلحة، بالإضافة إلى إضعاف نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة.
وفيما يخص تدخل السعودية وتركيا بريا في سوريا، كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو سبق وصرح، بأن تركيا والسعودية يمكن أن تطلقا عملية برية ضد تنظيم”داعش” في سوريا، مؤكداً إرسال السعودية طائرات حربية إلى قاعدة إنجرليك التركية.
الكاتب والباحث السياسي التركي محمد زاهد غل قال: “إن هناك أسبابا موضوعية تدفع الرياض وأنقرة ودولا أخرى إلى القيام بعمل بري داخل سوريا، ولكن ليس بشكل منفرد، وإنما تحت مظلة دولية وبقيادة أميركية!.
ترك برس