لم يكن يتوقع يوماً ما أن يستقر في ألمانيا بعد رحلة لجوء طويلة انطلاقاً من سورياً وعبور حدود عدة دول حتى الوصول للبلاد، لكنه الآن يسعى إلى الاندماج بالمجتمع الألماني ويحاول أن يرد الجميل لهم عبر أعمال تطوعية.
مجد العلي، يقطن الآن في مدينة فالاي القريبة من ميونخ ويكمل دراسته للغة الألمانية بعد أن وصل إلى مستوى متوسط كما أنه متطوع بفرق إطفاء المدينة.
كانت قصة الشاب الذي مضى في رحلة اللجوء وهو ابن 18 سنة عبارة عن سلسلة من قصص المعاناة التي سبقت لجوئه حيث يقول إن “مشهداً لإعدام شخص في منبج كان سبباً في اتخاذ قراره ترك سوريا”.
ويبدو أن الشاب اليوم راضياً عن حياته ويحاول جاهداً أن يعوض ما فته من سنوات في الدراسة والتدريبات المهنية كما أنه يخصص وقتاً للتطوع بالأعمال الإنسانية.
بداية القصة
منذ انطلاقة الثورة السورية ومجد كان يشارك بالمظاهرات المناهضة للنظام حتى أن صورته لا يزال يحتفظ بها، حيث يظهر في مظاهرات الجمعة العظيمة وهو يهتف لإسقاط النظام.
شارك الشاب بعد ذلك بنشاطات كثيرة في الحراك الثوري حتى انقلبت الأحداث في عام 2014 وسيطر تنظيم داعش، لكنه على عكس الكثيرين حاول البقاء في منبج رغم الخطر المحدق به.
يروي مجد قصته لـ بروكار برس: “في عام 2015م كنت عائداً للمنزل ولكن عنصراً من التنظيم أوقفني وقال إنه يجب علي مشاهدة إعدام أحد المرتدين حسب وصفه عند دوار الدلو بحي الصرب بالمدينة، وأجبرني على فعل ذلك وعندما ذهبت لهناك رأيت جمعاً من الناس الذين جمعهم عناصر التنظيم ليتم إعدام الرجل أمام أعينهم، وعند رؤيتي للمشهد قررت في اليوم التالي المضي نحو تركيا”.
ويكمل، بقيت في تركيا بمنزل عمي وحاولت جاهداً أن أحقق نوعاً من الاستقرار بحياتي عبر العمل أو الدراسة ولكنني لم أنجح بذلك، الاستقرار بتركيا يحتاج للمال وهذا ما لا أملكه.
وكان لاستقبال اللاجئين في عدة دول أوروبية سبباً في مضي الشاب للتفكير بالهجرة مرة أخرى فحزم أمتعته ورسم خريطة حدد فيها المدن والبلدات والقرى التي سيمر بها، بل حفظها.
رحلة اللجوء
مضى مجد مع أقاربه في رحلة اللجوء ليصلوا إزمير حيث كانت أول محطة لهم، وما هي إلا أيام قليلة حتى حجزوا رحلة مع أحد المهربين بواسطة قارب ليصلوا إلى جزيرة ميتليني اليونانية ومن هناك أكملوا الطريق بعد مكوثهم بالجزيرة لمدة أربعة أيام نحو أثينا.
يقول مجد: “السبب في اختياري الهجرة لأوروبا هو أنني أمتلك لغة إنكليزية جيدة وقادر على الدراسة وفي تركيا لا يتوفر لي فعل ذلك فالعمل صعب هناك، ورغم أنني تعلمت اللغة التركية لكنني أصريت على الهجرة إلى أوروبا”.
وفي مدينة باساو الألمانية بصم مجد ومجموعة من الأشخاص معه طلباً للجوء في ألمانيا لينتقل فيما بعدها للاستقرار بعدة مدن ألمانية.
وبدأ الشاب بتعلم اللغة الألمانية، حيث يقول إنه “بدأ في مايو 2016 بتعلم اللغة الألمانية ووصل للمستوى B1 في إبريل من عام 2017 ومن ثم نال المستوى B2 في أوغسطس عام 2018 بعد دراسته الثانوية الألمانية ليصبح متحدثاً جيداً باللغة الألمانية”.
ومثله مثل الكثير من اللاجئين واظب على الدوام بالمدارس كما أنه لعب كرة القدم بإحدى الأندية المحلية ولكن كان لديه وقت فراغ ويريد فعل شيء خلاله.
التطوع بالإطفاء
كرسالة شكر ورداً للجميل الذي قدمته ألمانيا لمجد ومن مثله بدأ يفكر الشاب في عام 2017 بعمل شيء اتجاه البلاد التي استقبلته وقدمت له ما لم تقدمه دولته الأم وفق وصفه.
وقرر الشاب بعد تفكير أن يتطوع في فرق إطفاء مدينة هوهن كيرشن ليكون أول لاجئ سوري يتطوع بفرق الإطفاء بهدف مساعدة من يتعرضون للحوادث مثل الحرائق أو حوادث المرور أو غيرها.
شارك الشاب معنا عدداً من الصور أثناء تدريبه في فرق الإطفاء واجتيازه التدريب الأساسي، واصفاً عمله بأقل ما يمكن تقديمه لألمانيا.
يقطن مجد الآن مع عائلة ألمانية يشاركها السكن كما أنه يواصل دراسته ويراقب نداءات الاستغاثة عبر جهازه حيث يقول: “أنا من بين 100 متطوع في فرق الإطفاء، وفي حال حصل حادث ما يشاركوننا إحداثيات الحادث ومن يكون قريباً من المكان يعلن استجابته لذلك ويمضي للمساعدة”.
ويضيف، أشعر بسعادة بالغة عندما أرافق زملائي بفريق الإطفاء ونتمكن من إنقاذ أحد ما أو تقديم المساعدة له، هذا العمل يشعرني بالرضا.
ويسعى الشاب إلى إكمال دراسته محاولاً الاندماج أكثر بالمجتمع الألماني حيث يؤكد “جميع أصدقائي من الألمان” في الوقت الذي يبدي استعداده لتقديم المساعدة بأي عمل يعود بالخير للبلاد.
نقلا عن بروكار برس