في ظل سنوات الحرب الطويلة التي مرت على سوريا من قصف وتهجير وتجويع لمواطنيها، كان أكبر المتضررين هو القطاع التعليمي، حيث كانت تعد سوريا في مقدمة الدول من حيث التحصيل العلمي الكبير لأبنائها، فقد شرد الآلاف من الأطفال جراء الحرب الطاحنة، تاركين خلفهم مقاعد الدراسة تتباكى على مصابيح المستقبل، الذين كانوا النور الذي ينير عتمة المستقبل، فقد دمرت آلات القتل 2960 مدرسة في عموم سوريا، وقتلت 222 من مربيي الأجيال القادمة.
يروي محمد أحد طلاب ريف إدلب بعد تركه المدرسة وهجرته إلى تركيا قائلاً:” خرجت من منزلي تحت هول القصف من صواريخ وطائرات الأسد، تاركاً حلمي في العودة إلى مقاعد الدراسة في مدرستي التي تحولت إلى ركام، آخذةً معها حلم التفوق والذهاب إلى الجامعة”.
كما أن مشكلة القصف لم تكن العائق الوحيد أمام الطلاب لمواصلة مشوار الدراسة، بل إن بعض كتائب الثوار حولت المدارس إلى مقرات لقواتها، ومخازن لأسلحتهم، غير مكترثين بما سيلم بأطفال يعشقون الدراسة والتجول في أروقة مدارسهم، وعدم السماح للطلاب والمدرسين الاقتراب منها، كما أن المدارس قد تحولت إلى مأوى للنازحين من مناطق القصف، والذين استحلوا 1400 مدرسة في عموم سوريا، رافضين الخروج منها، غير مبالين بالأزمة التي خلفوها وراء ظهورهم.
يروي أبو قصي أحد المدرسين في ريف إدلب حول ما ألم بالمدارس في منطقته حيث يقول:” لقد دمرت آلاف المدارس إما بقصف النظام لها، أو انفجار مستودعات الأسلحة التي تختزنها بعض كتائب الثوار فيها، وتهديد أي مدرس ينوي الاقتراب بقوة السلاح، ما سيخلف أجيال جاهلة غير قادرة على النهوض بسوريا الغد”.
ويتعرض العاملون في القطاع التعليمي لضغوط جمة منها عمليات السلب التي تمارسها حواجز النظام أثناء قدومهم لقبض رواتبهم الشهرية، وضغوط تمارسها بعض كتائب الثوار لمنعهم من الذهاب إلى مناطق سيطرة قوات النظام، ما أوقعهم بين نارين، نار جشع قوات النظام، ونار الخوف الكبير من التعرض للخطف أو الاعتقال.
يروي أبو خالد مأساة المدرسين في ريف إدلب الذين بذلوا الغالي والرخيص لعملهم الإنساني على حد قوله” ندفع لحواجز النظام ما يقارب 1500 ليرة سورية لكل حاجز مرغمين، بسبب الجشع الكبير لضباط النظام، كما أن سائقي السيارات لا يقلون طمعاً عن عناصر النظام، حيث تبلغ تكلفة الذهاب إلى حماة 2500 ليرة سورية، كما تمارس ضغوط كبيرة من كتائب الثوار لمنعنا من الذهاب وجلب مرتباتنا التي تعد مصدر رزقنا الوحيد الذي نربي منه أطفالنا، بعد تلاشي أحلامنا في بناء لبنات المستقبل”.
كل هذه الأزمات التي ألمت بالواقع التعليمي دفعت الحكومة السورية المؤقتة عن طريق بعض الجمعيات الخيرية في افتتاح بعض المدارس، لتلافي ضياع لبنة المستقبل، وجعل هذه المدارس في طوابق أرضية، لتجنب قصفها من قبل قوات النظام، وافتتاح جامعات في محافظة إدلب، لعدم قدرة طلاب الجامعات على الذهاب إلى مناطق يسيطر عليها النظام وشبيحته، خوفاً من التعرض لعمليات الاعتقال والتعذيب، وزجهم في صفوف قواته للدفاع عن سلطة آل الأسد، وتشهد هذه المدارس والجامعات اقبالاً شديداً من الطلاب من مختلف مراحل العمر، لتعويض النقص الكبير الذي ألم بهم في سنين الحرب الطويلة.
فما بقي من مدارس سوريا تبكي أطفالها الذين رحلوا، وتناديهم بقلب مليء بالجروح للعودة واشعال دروب المستقبل المشرق، وأن الفرج آت بسواعد أبنائها، مهما طال أمد الطغاة.
المركز الصحفي السوري
أحمد الإدلبي