“كانت أقسى لحظةٍ عشتها في حياتي، عندما نزلنا من الباص، لنرى جموع الناس والمنظمات في استقبالنا بالماء والخبر والطعام، التفتت إليّ طفلتي الصغيرة وقالت لي أبي هذ هو ثمن حلب!، خبز وماء وحفنة أكل!، سكت، لم أرد وقتها، غمرني الدمع كطفلٍ صغير، دون أن أشعرها”.
بقلب ذاب كمدا، استهل أبو أسامة جوابه، عن قصة التهجير من مدينة حلب.
أبو أسامة رجلٌ أربعينيّ، من حلب، شهد مراحل الثورة في مدينته، منذ خروج أول مظاهرةٍ فيها.. حتى يوم خروجه منها.
تحدث أبو أسامة عن نشاطه في المدينة طيلة فترة وجوده في الأحياء الشرقية المحررة، عن أيام الحرية والكرامة، رغم كل ما شهدته من قصفٍ، ومجازرَ، وحصار.. إلا أنها كانت أجمل سنوات حياته، على حد وصفه.
عمل أبو أسامة مديراً في مدارس المحرر، ساهم في افتتاح عدة مدارس، لم يدخر جهداً لحث الأطفال على العودة إلى الدراسة.
يصمت أبو أسامة قليلاً، ثم يتنهد قائلاً: ” بدأنا بإمكانياتٍ بسيطة، لم يكن هناك دعمٌ ولا منظمات، نفضنا غبار القصف عن المقاعد والكتب، لنبدأ برسم أملٍ جديدٍ لأطفالنا”.
وبالرغم من كل ما شهدته المدينة من قصفٍ ودمار، إلا أنه لم يثنينا عن الاستمرار بكل حماسٍ وإصرار.”
شهدت مناطق حلب المحررة ازدهاراً لافتاً في السنوات الأولى من عمر الثورة.
وصل عدد سكان المناطق المحررة من المدينة قرابة المليون نسمة، وذلك بسبب تأمين الخدمات للمدنيين بشكلٍ فاق إمكانية النظام.
شنّ النظام حملة قصفٍ وحشيّة، لزعزعة أمن المنطقة، وتهجير المدنيين منها، وتدمير البنية التحتية، التي لفت تنظيمها – من قبل الفعاليات المدنية- نظر المنظمات الإنسانية الدولية، وتهافتت لتقديم الدعم، مما أغاظ النظام البربري.
كل ذلك دفع حكومة الأسد، وحلفائها من الروس والإيرانيين، إلى رفع وتيرة الحملات العسكرية، لتشمل استخدام جميع أنواع الأسلحة البرية والجوية.
كان نهاية هذه الحملات العسكرية أن أحكم النظام قبضته على المدينة، وأطبق حصاراً خانقاً على الأحياء الشرقية، مانعاً عنها الخبر والطعام والدواء، لينتهي الأمر بقرار تهجير السكان إلى الريف الغربي لمدينة حلب، “بالباصات الخضراء”.
يقول أبو أسامة: ” أكره تلك العبارة اللعينة، (الباصات الخضراء)، إنها تذكرني بيوم خروج الروح من الجسد، كأنه يوم الحشر، …أطفالٌ ونساءٌ وشيوخ.. على أطراف الطرقات، بانتظار دورهم لصعود الباص، علامات القهر والشقاء ترسم على وجوههم قصصاً وأحداثاً، وأيام عزٍّ وحريّة، لن يفهمها إلا من عاش تلك الأيام”
هجر سكان حلب في كانون الأول من سنة 2016، حيث نقل السكان على دفعاتٍ إلى الريف الغربي لحلب، عبر باصاتٍ، وبإشراف الهلال الأحمر، والقوات الروسية.
توزّع مهجّرو حلب على مساحة الريف الحلبي بشماله وغربه، منهم من انتقل للعيش في إدلب، ومنهم من غادر البلاد إلى تركيا و أوربا، حاملاً معه ذكرياته .
قصة خبرية / إيمان عمر هاشم