حرب عسكرية سورية ترافقت معها حرب نفسية كوسيلة ضغط إضافية على شعب حياته مستمرة رغم كل المآسي، فوجد النظام في الخطف والابتزاز طريقتين تلبي غرضه في كسب المال من تعب وشقاء الشعب السوري.
لعل الساحل السوري مسقط رأس النظام هو الأرض الخصبة التي ساهمت بانتشار ظاهرتي الخطف والابتزاز في أغلب المدن السورية، نتيجة سيطرة آل الأسد والعائلات العلوية المقربة منها على معظم المناصب لتضحي المسيطر السياسي الأول وتتحكم بسير العمليات الأمنية لصالحها وتكون بمثابة الضوء الأخضر أمام ضعيفي النفوس ليتصرفوا مثلها في كل شبر من الأرض السورية.
تمثلت تلك الظاهرتان إما عن طريق الميلشيات الأمنية (الشبيحة-الدفاع الوطني) الموزعة في كل مناطق سيطرة النظام، أو عن طريق الحواجز الأمنية التي تسطو على أرزاق المواطنين كل ما وقفوا عليها بحجة التفتيش والضرورات العسكرية لحماية الشعب والوطن.
“أبو عمر” من مدينة بانياس في اللاذقية يقول:” منذ اندلاع الأحداث السورية والمجازر التي ارتكبها النظام في قرية البيضا بعد أن انتفض الأهالي بوجه اضطهاده عام 2011، توجهت الأنظار لفتياتنا الشابات كعامل إهانة وتهذيب سلوكي قمعي من خلال اختطافهن واغتصابهن بقوة السلاح، وإعادتهن إليها كوصمة عار على جباه رجالنا”.
فالخطف لم يتوقف ضمن محافظة اللاذقية ولأغراض العنف النفسي على الأهالي، فما حدث بحي كرم الزيتون في حمص قبل ثلاث سنوات على لسان الإعلامي هادي العبد الله، عندما اقتحمت اللجان الأمنية الحي وقامت باختطاف بعض الفتيات بعد تسجيل 16 حالة اغتصاب، ليساوموا على ورقة الابتزاز للفصائل المعارضة وخروجهم من بعض الأحياء الخاضعة لسيطرتهم.
فالابتزاز أيضا تعددت صوره فلم تعد المرأة فقط هي المستهدفة، بل أصبح الرجال من ضمن قائمتهم السوداء التي تدر عليهم أرباحاً مالية عند خطفهم على الحواجز المنتشرة على الطرقات كافة، وابتزاز أهلهم لكي يقدموا المال لهم ويفرجوا عنهم.
“منى” طالبة جامعية من ريف إدلب فرضت عليها دراستها الذهاب لجامعة دمشق، تقول:”لم أستطع زيارة أهلي منذ أكثر من 3 شهور، فقد نجوت بأعجوبة من تلك الحواجز المنتشرة بريف حماة الشرقي بمنطقة صحراوية قاحلة تدعى سلسلة حواجز السعن المتتالية فهي تقوم أمام أعين الملأ بجمع المال من كل فرد داخل البولمان أو السرفيس، ومن يرفض يبتزونه بالكلام أو الضرب أو حتى الاختطاف والتوقيف لساعات عديدة لحين يتم دفع المبلغ كامل كما طلبوه، أحيانا تعاود وسيلة النقل سيرها تاركة وراءها العديد من الركاب مجهولين المصير”.
ناهيك عن حواجز النظام المنتشرة في ريف حماه الغربي، أشهرها حاجزي جورين ونهر البارد، المكتظان بالشبيحة خاصة بعد تحرير مدينتي إدلب وجسر الشغور، حيث أخذت عناصر الدفاع الوطني الفارة من المعارك منها مركزا للسرقة والخطف واستلاب المال من كل شخص إدلبي يمر على تلك الحواجز.
بالمقابل هناك انتشار واسع أيضا لتلك الظواهر ضمن الأراضي المحررة الخارجة عن سيطرة النظام، لكن هذه المرة بأسلوب مغاير، فالهدف هنا من قبل الجماعات الخاطفة في أغلبه غايات وثارات، والمخطوف بمعظم الأحيان يتحول لضحية من غير عنوان، أو جثة هامدة ملقاة على أطراف الطرقات وأمام المنازل.
فمناطق حلب المحررة هي خير دليل على كثرة تلك المشكلة المخيفة باعتبارها بعيدة عن معرفة المصدر والخاطف وعدم التمكن من تقييدها بحال فقدان الأدلة والبراهين، مما زرع بقلوب السكان زعر رهيب لمجرد سماع حالة اختطاف.
أخيراً وليس آخراً ومع غياب الأمن والأمان إثر الحرب السورية، لم يتم العثور على أية إحصائية بعدد المخطوفين بحسب مركز توثيق الانتهاكات في سورية، ولابد من وضع حدود لمنع تفشي هذه الظاهرة بشكل أكبر، تبدأ من محاسبة الفرد لذاته ومراجعة مبادئه الأخلاقية وقيم وعادات مجتمعه، وتنتهي بالتصدي لعواقب هذه الكارثة بتقوية النفس الضعيفة وإحياء الضمير داخله، لأنها عائدة بالضرر مستقبلا على الفرد والمجتمع.
المركز الصحفي السوري
محار الحسن