تعوّد المواطن السوري أن يستيقظ على أصوات القصف والطيران بشكل يومي، مما يدفع المواطنين إلى الاختباء في الأقبية والطوابق السفلية كملاجئ تحميهم من القصف باعتبارها أماكن أكثر أمنا، على الرغم من أن غالبيتها لا تصلح للسكن.
أثناء ساعات أو أيام الاختباء في الأقبية تتعرض النساء والأطفال والشيوخ لكثير من الضغوطات النفسية خاصة في المناطق الساخنة في سوريا كدوما وداريا و أحياء حلب الشرقية، تجعلهم يقضون ساعات طويلة خوفا من المجازر التي اعتادوا على مشاهدتها بشكل شبه يومي.
يقوم الناس بتجهيز الأقبية بالعديد من المستلزمات للجلوس والأغطية و بعض الخبز والطعام والشمع لإنارة المكان، وعند سماع صوت الطيارة يركض الجميع للاختباء في قبو رطب وإنارة متهالكة، ولكن عبثا فكلها في طريق النفاذ، نساء وأطفال وعجائز يجلسون داخل الملاجئ، بعض الأطفال يبكون وبعضهم من بدا الخوف واضحا على وجهه، وبعضهم من يخفي وراء صمته خوفا و ألما.
تقول أم عمر من مدينة دوما، ” ينفذ الطعام أحيانا أثناء مكوثنا لساعات طويلة ريثما ينتهي الطيران من تحليقه، وأشعر بغصة وحرقة في قلبي كلما طلب أحد الأطفال أو العجائز الطعام في هذا الوقت الحرج فما من مجال للخروج”.
أما في فصل الشتاء القارس يعاني الناس داخل الملاجئ من البرد يجلس الشيوخ الذين لا يفارق الحزن والأسى وجوههم التي ملأتها التجاعيد، ويصرون على العودة لمنازلهم فبرأيهم لا مفر من الموت، ويلجأ بعض كبار السن لتسلية الأطفال واللعب معهم لتجاوز تلك الأوقات الصعبة.
يجلس أحد كبار السن بلف جسده الضعيف بغطاء في حي المشهد بحلب يحكي للأطفال قصصا من ماضيه علها تخفف معاناة الجميع من البرد والذعر داخل الملجأ، يقول أبو عبدو البالغ من العمر 70 عاما، ” لا أخاف من الموت فالأعمار بيد الله، أريد العودة لمنزلي لأن تجارب الحياة علمتني أن الظلم سينتهي لا محال مهما طال أمده”.
بدت المرأة في الحرب هي الأم والأخت والممرضة والمعلمة مساعدة لاستمرار الحياة ، فتصوير الوضع بشكل أفضل مما يبدو عليه أمرا ليس بالهين في محاولة منها لتخفيف مشاعر الخوف والرعب والملل عند الأطفال والمسنين الذين تغتال الحرب أحلامهم وأمنياتهم فهي باتت تحت رحمة طيران النظام وبراميله، فبينما ينعم أطفال العالم بالأمن واللعب والتسلية يذوق الطفل السوري آلام الحرب من حرمان وخوف وقتل.
داريا التي لا يفارق الطيران سماءها فيضطر أهلها للاختباء ساعات في تلك الأقبية التي تفوح منها رائحة العفن والرطوبة تقول رانية، ” أتظاهر بالثبات والقوة أمام أطفالي وقلبي مهزوز و أحاول أن أبدو سعيدة بالتسلية معهم خوفا من تجد أصوات القصف مكانا في قلوبهم الصغيرة”.
وفي ظل انقطاع وسائل الاتصال والكهرباء بشكل نهائي، تبقى قلوب المختبئين من قصف النظام داخل الأقبية مع أهاليهم و أقاربه خارجها فالطائرات تستهدف المواطنين أثناء محاولتهم الحصول على لقمة عيشهم في الأسواق والأفران لتصبح لقمة مغمسة بالدم فعلا.
تتساءل منى التي قضت ساعات داخل القبو، ” يا ترى أين قصفت الطائرة؟؟ أين هي المجزرة اليوم، هل استشهد أحد من أهلي أو أقارب، أسئلة كثيرة تدور في مخيلتي، محاولة إخفاءها كي لا أزيد من توتر أطفالي”.
لا يمر يوم في المناطق الساخنة بدون قصف وموت ودمار ، فيرى العالم الناس هناك مجرد أرقام على عداد مجازر النظام، لكن الحرب تزيد الشعب السوري ألفة ومحبة وأملا وإصرارا على البقاء رغم ما يمرون به من صعوبات، ورغم ما يتعرضون له من قتل وتدمير وتهجير.
سلوى عبد الرحمن
المركز الصحفي السوري