ظلامٌ عمّ المكان وأصواتٌ مشوشة لم أعد أدرك أين أنا وما الذي حدث، أشعر بدوار في رأسي فقدت توازني، وصرت أتخبط بالمارة، أتعثر وأقع فتسعفني إحدى النساء لتوصلني لبيتي.
60 بالمئة من سكان #مخيم #فلسطين سوف يخسرون أملاكهم — المخطط التنظيمي الجديد
“أم عبد الله” امرأة أربعينية تروي أحداثاً مأساوية حفرت في ذاكرتها قبل سنوات حين رأت ولدها البكر ذا 16 عاما مصاباً مضرجاً بدمائه جرّاء قصف طائرات قوات النظام على مدينة حلب عام 2013.
جلست بجانبه وأنا ألهث من شدة الخوف والتعب، ودموعي تنهال وأردد “عبد الله ما بك يا ولدي ما بك يا روحي أخبريني”، كان مستلق على الأرض ومغطى ببطانية صفراء ملطخة ببقع من الدماء، والجروح تملأ وجهه.
ينظر إلي ويبتسم ويقول بهدوء
_”لا شيء يا أمي لا تقلقي ليست إلا جروح صغيرة بوجهي ويدي”
_أين هي الجروح أرني إياها، حاولت كشف الغطاء لكنه منعني وصار يضحك ليلهيني بكلمات ساخرة.
لكن شيئاً ما لفت نظري كان عنقه يخفق بسرعة شديدة وهو يتكلم ويضحك، لم تكن إلا ضحكات مزيفة ليخفي عني آلامه، لم أصدقها وفاجأته بكشف الغطاء لأرى مصيبة نزلت علي كالصاعقة.
كان مبتور اليد ومصاباً بجروح بليغة بصدره ورجله، وقد حفرت الشظايا كل شبر في جسده، شعرت وكأن صاعقةً نزلت برأسي وهدّت كياني وسرعان ما بدأت أشعر بوخز أليم في الجانب الأيسر من صدري، أغمضت عيني ولم أكد أتفوه بحرف حتى أعادوا عليه الغطاء وأخرجوني من المكان.
ثم اقعدوني على كرسيّ ليقترب مني رجلٌ خمسيني يحدثني محاولاً مواساتي “صبراً يا أختي، كلها أيام معدودة ويعود قوياً كالسابق”، وأنا أسمع كلامه وأحدق في الأرض صامتة مذهولة، ثم يتابع قائلاً، “احمدي الله على سلامته لك، فرفاقه الخمس تقطعوا أشلاء”، وهنا نزلت برأسي الصاعقة الأشد قوة فنهرت باكية أصرخ يالله يالله وأدعوا أن يصبر قلوب أمهاتهم.
ما هي إلا دقائق من البكاء حتى نهضت أريد العودة للمنزل، خرجت من المشفى ولم أكد أخطوا عدة خطوات حتى فقدت البصر تماماً وصرت أتخبط بالمارة دون وعي، حتى أمسكت بي امرأة من معارفي لتوصلني للبيت، ليعود وعيي وبصري بعد ساعات.
مرت الأيام والسنون ولازلت تلك المشاهد ماثلة أمام ناظري، أقاسي الحزن والألم في كل مرة أنظر فيها لولدي بعد أن فقد يده اليمنى.
على الرغم من أن ذلك لم يعيقه كثيراً فهو الآن وبعد مرور ثمان سنوات يعمل ويعيل العائلة رغم إعاقته بعد أن تزوج ورزق بثلاثة أطفال.
أصيب عبد الله وكان عمره 16 عاماً ليفقد أحد أطرافه وهو في ريعان عمره، فيما ارتقى نحو خمسة من رفاقه بقصف طائرات النظام على مدينة حلب بالبراميل المتفجرة.
الجدير بالذكر أن قوات النظام استخدمت البراميل المتفجرة لأول مرة في شهر أغسطس عام 2012 ضد المدنيين من الشعب السوري في مناطق سيطرة المعارضة.
ويذكر أن البراميل المتفجرة سلاح محلي الصنع يتكون من برميل معدني يحتوي مواد متفجرة ووقود بترولي إضافة إلى شظايا ومسامير حادة، ويتم إلقاء البراميل في معظم الأحيان من على متن طائرات مروحية بشكل عشوائي على الأحياء السكنية، فيما تشير تقارير إلى أن نسبة ضحايا هذا السلاح تقدر بنحو 97% من المدنيين بينما كانت نسبة 3% من الضحايا من فصائل المعارضة.
بقلم: سدرة فردوس
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع