أسماء، شابّة في العقد الثالث من العمر، أكبر أخواتها سنّا، قست عليها الحياة منذ نعومة أظفارها، وحرمتها من أن تعيش بفطرتها التي فطرها الله عليها كأنثى، وجاءت الحرب لتجهز على ما بقي من إحساسها كواحدة من أبناء جلدتها.
هل تستطيع الفروع الأمنية الحجز على #عقارات_المطلوبين؟؟
وُلِدَتْ أسماء في قرية صغيرة في ريف حماة الغربي، ولم يشأ الله تعالى أن يُرْزَقَ والِدَاها بولد آنذاك، فاعتمد عليها أبوها في كلّ شيء، وبات يعاملها كما الولد.
في الأرياف يعتمد غالبية الأهالي على الزراعة، يحرثون الأرض ويزرعونها، وينتظرون المحصول بفارغ الصبر لجني الثمار، بعد تعب وجهد وعرق جبين.
تتعاون العائلة بأكملها في الأعمال الزراعية ولكن هناك بعض الأعمال مخصصة للرجال، كالحراثة والسقاية، وتسويق المحصول، في حين تعمل النساء في زراعة البذور، وتعشيبها، وجني المحصول وما شابه.
أسماء لم تكن كباقي الفتيات، واعتماد والدها عليها منذ الصغر حمَّلَها مسؤولية كبيرة تجاه أسرتها، فهي الكُبرى، ولا يوجد لديها أخٌ، فوجدت نفسها تقوم بأعمال الشباب بإرادتها أو رغما عنها.
لم يشعرها والدها يوما بأنّها أنثى. تراها تقود الدراجة النارية، والجرّار، وتحرث الأرض، وتذهب إلى قناة الماء المثبت عليها “موتور السقاية” فتديره بيديها اللتين كان من المفترض أن تمسك بالقلم عوضا عن الرّفش “الكريك”، وتسطّر الدّفتر عوضا عن تسكيب المساكب الزراعية.
ظلّت أسماء على هذه الحال إلى أنْ اندلعت الثورة، وكان عمرها آنذاك (23) عاما، نزح أهلها عن القرية، ولم يبق لهم مصدر رزق، وضاقت بهم الحال، فوجدت نفسها أمام مسؤولية أكبر من ذي قبل، فاضطّرت أن تتابع دور الشابّ الذي لعبته منذ البداية، وجاءت إلى تركيا لتعمل وتعيل أهلها.
رُزِقت العائلة بطفلٍ ذكر فيما بعد ولكنّ الأعباء لم تنزل عن كاهل أسماء إلى هذا اليوم، وما زالت مسؤولة عن كل شيء.
ما زالت أسماء تعمل في إحدى المدن التركية لتعيل أهلها في مخيّمات النّزوح، وحيدة في الغربة، جلُّ همِّها أن تؤمّن قوت أهلها، بدلا من أنْ تحلم كسائر الفتيات بثوبِ زفافٍ أبيض وزوجٍ يريحها من قسوة هذه الحياة ومراراتها.
بقلم: ظلال عبود
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع