القاهرة – يدخل الصراع بين مؤسسات دينية تتحكم في تعامل مصر مع أزمة تجديد الخطاب الديني إلى مرحلة الإقصاء، إذ تسعى وزارة الأوقاف للحصول على شرعية سياسية عليا للمضي قدما في خطط تقول إنها فعالة لمواجهة التشدد.
لكن الأزهر ودار الإفتاء يراقبان الجهود المتسارعة للأوقاف بكثير من الريبة انعكاسا لمعارضة كبار رجال الدين في الأزهر خصوصا على خطة الأوقاف لتحديد موضوعات خطبة الجمعة في مصر لخمس سنوات مقبلة.
وقبل أيام، أعلنت وزارة الأوقاف أنها وضعت خطتين لخطبة الجمعة، الأولى قصيرة المدى وتشمل 54 موضوعًا لخطب العام الأول، والثانية متوسطة المدى وتشمل 270 موضوعًا لخطب 5 سنوات أخرى، وقالت إنها سترسل قوائم الموضوعات للرئيس عبدالفتاح السيسي لإبداء الرأي فيها.
وقال أحمد بان، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، لـ”العرب” إن “التركيز على تجديد الخطاب الديني من خلال خطب محددة دون تشاور أو تبادل وجهات نظر، يأتي في إطار الصراع الديني المؤسسي، محذرًا من أن يكون ذلك سببًا في تنامي التطرف داخل المجتمع، بدلا من التوصل إلى حلول واقعية، تقوم على توحيد الرؤى والأفكار والأطروحات”.
وتقول وزارة الأوقاف إن جميع الخطب “تواكب العصر وتتحدث عن أمور حياتية ومصيرية تتعلق بتجديد الخطاب من خلال قضايا عصرية تناسب حياة الناس في الوقت الحالي وفي المستقبل”.
ووجه السيسي العديد من الانتقادات لمختار جمعة وزير الأوقاف بسبب اقتصار سياسة تجديد الخطاب التي تتبناها الأوقاف على خطب الجمعة فقط. وتقول مصادر مصرية إن جمعة يحاول الاستحواذ على دعم السلطات السياسية مستغلا توتر العلاقات بين السلطات وأحمد الطيب شيخ الأزهر.
واحتدم التوتر بعدما ترسخ ما تراه السلطات تقاعسا دام طوال العامين الماضيين، إذ لم يتخذ الأزهر أيّ خطوات تذكر لمراجعة كتب فقهية ونصوص دينية تعود إلى قرون خلت.
ويرى الكثير من رجال الدين المؤثرين في الأزهر، الذي يحظى بنفوذ واسع في المجتمع المصري، أن السلطات تحاول فرض توجه مدني يتعارض وفقا لتصورات أغلبهم مع ما يعتبرونه “صحيح الدين، والمعلوم منه بالضرورة”.
وقال أحمد مسعود، خطيب مسجد بمحافظة البحيرة (شمال القاهرة) إن “الحديث عن تجديد خطب الجمعة لسنوات مقبلة يضعف من قوة المساجد في التواصل مع الناس لإقناعهم بالتجديد، ويثير الشكوك حول تسييس المساجد، وإقحام أجهزة الدولة في مضمون ما يلقى على مسامعهم وهو ما قد يدفعهم للبحث عن بديل دعوي، سيكون في الغالب تيار الإسلام السياسي الذي تحاربه الدولة بسبب تطرفه”.
وأضاف لـ”العرب” أن “خطوة وزارة الأوقاف الرامية، حسب مسؤوليها، إلى تجديد الخطاب الديني من خلال خطط مستقبلية للدعوة والخطابة، تصب في صالح التيارات الدينية الأخرى، لا سيما وأنها تظهر أمام المجتمع متحررة من القيود المفروضة عليها من السلطة، ولا أحد يتدخل في خطابها، وبالتالي يتسبب ذلك في إلغاء الدور الحقيقي للمساجد والخطباء التابعين للدولة”.
ويرفض أئمة الأزهر بالمساجد فرض وصاية على توجهاتهم الفكرية من قبل وزارة الأوقاف بشأن الخطب أو محتواها، ويرفضون الالتزام بها.
واعترض الأئمة التابعون للأزهر من قبل عندما أصرّت الوزارة على تطبيق الخطبة المكتوبة.
وألغى السيسي الخطبة المكتوبة من أجل وضع حدّ للصراع.
وقال بأن “كل مؤسسة تختزل تجديد الخطاب الديني في الشكل الذي يحقق لها النفوذ المطلق على المؤسسة الأخرى”، ورغم سخرية الرئيس من وزير الأوقاف لاختزاله التجديد في الخطبة المكتوبة، عاود اختزال تجديد الخطاب مرة أخرى في الخطبة المستقبلية، ما يشي بأن “الأوقاف تتعامل مع ملف التجديد وفقا لأهوائها وإصرارها على تطبيق رؤيتها”.
العرب اللندنية