بدت الأمم المتحدة، أمس الخميس، مصرّة على السير بخيار عقد المفاوضات السورية في جنيف، اليوم الجمعة، على الرغم من العقبات الكثيرة أمامها، وفي مقدمتها عدم تلبية مطالب المعارضة السورية واعتماد المنظمة الأممية مبدأ المماطلة حتى اللحظة الأخيرة في الرد على رسالة المعارضة.
وقد ترجمت هذه العقبات، من خلال الأنباء التي استمرت طوال يوم أمس، وكانت تشير إلى إمكان تأجيل هذه المفاوضات، قبل أن تحسم المتحدثة باسم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، إبقاء المفاوضات السورية في موعدها المقرر اليوم، فيما وجه دي ميستورا رسالة إلى الشعب السوري أمس قبل ساعات من الموعد المفترض لانطلاق المفاوضات قائلاً إنه “لا يمكن أن تفشل”. وأضاف “ستُعقد خلال الأيام القليلة المقبلة ما نسميها بالمحادثات السورية أو المفاوضات، ولا يمكن لهذا المؤتمر أن يفشل”.
“صبرا أعلن أن وفد المعارضة السورية لن يتوجه إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات اليوم”
من جهته، أعلن المنسق العام لهيئة المفاوضات السورية، رياض حجاب، أمس الخميس، أن “المعارضة السورية لن تشارك في مفاوضات جنيف قبل تحقيق مطالبها الإنسانية”. وكانت وكالة “فرانس برس” قد نقلت عن مصدر في الهيئة العليا للمفاوضات قوله إن “المعارضة السورية ستواصل لقاءاتها في الرياض الجمعة” فيما أعلن نائب رئيس وفد المعارضة السورية جورج صبرا أن وفد المعارضة السورية لن يتوجه إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات غداً. وقال صبرا في تصريحات صحافية “قطعا لا لن نتوجه إلى جنيف ولن يكون وفد الهيئة العليا للمفاوضات غداً موجوداً في جنيف”.
وكان اللغط قد بدأ حول موعد المفاوضات منذ صباح أمس مع إعلان نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من موسكو أن الجولة المقبلة من المحادثات السورية وفقاً “لصيغة فيينا” ربما تُعقد يوم 11 فبراير/شباط، قبل أن يتضح أن عبداللهيان يقصد اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسورية، فيما أجرى وزير الدفاع السوري، فهد جاسم الفريج، مشاورات أمس مع نظيره الروسي سيرجي شويغو في سورية.
وقبل التوجّه إلى جنيف، كسبت المعارضة السورية دفعاً مهماً، مع إقرار دي ميستورا، بمطالبها وخصوصاً المادتين 12 و13 من القرار 2254، إذ اعتبرها حقاً مشروعاً تُعبّر عن تطلعات الشعب السوري. وكان منسّق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، قد أرسل خطاباً إلى المبعوث الدولي أول من أمس طلب منه بعض التوضيحات، وخصوصاً في ما يتعلق بدور الأمم المتحدة في تنفيذ المادتين 12 و13 من القرار 2254.
وعصر أمس، شكر المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط في بيان تلقت “العربي الجديد” نسخة منه، دي ميستورا على رسالته الجوابية، وعلى تأكيده أن “الفقرة 12 و13، التي طالبنا بتنفيذها، هي حق مشروع تعبر عن تطلعات الشعب السوري وهي غير قابلة للتفاوض”. وشدد المسلط على جدية المعارضة في المشاركة وبدء المفاوضات “لكن ما يعيق بدء المفاوضات هو من يمارس قصف المدنيين وتجويعهم”.
وتنص المادتان 12 و13 على رفع الحصار عن المناطق والمدن والبلدات المحاصرة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، وإطلاق سراح المعتقلين وسجناء الرأي والسجناء وفقاً للقوانين الاستثنائية أو غير المنسجمة مع مبادئ احترام حقوق الإنسان، ولا سيما النساء والأطفال، ووقف أي هجمات موجّهة ضد المدنيين والأهداف المدنية والاستخدام العشوائي للأسلحة بما في ذلك القصف المدفعي والقصف الجوي.
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، مساء أمس، أن ردّ دي ميستورا على المعارضة “جاء أيضاً بالنيابة عن الأمين العام بان كي مون”.
وعملت الهيئة العليا للمفاوضات خلال أيام، على مواجهة الضغوطات الدولية، وعدم السماح لحرف المفاوضات عن بيان جنيف الداعي لإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، فيما سعى النظام ومن خلفه روسيا وإيران على تحقيق خرق بوفد المعارضة وإدخال عناصر محسوبة على النظام عبر روسيا، أو من خلال المماطلة بإجراءات الثقة التي تطالب بها المعارضة. وجاء في هذا السياق كلام عبداللهيان من موسكو أمس، بأن بلاده تعتقد أنه من الضروري ألا يجلس “إرهابيون في قناع جديد” على طاولة المفاوضات.
كما كشفت مصادر لـ”العربي الجديد” أن دي ميستورا وجّه أمس دعوات لعدد من الشخصيات السياسية المقربة من النظام للمشاركة بالمفاوضات بصفة مراقبين، عرف منهم كل من ميس كريدي ومحمود مرعي.
وفي السياق، ينفي عضو الهيئة العليا للمفاوضات منذر ماخوس، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن يكون هناك وفدان للمعارضة في المفاوضات، موضحاً أن وفد المعارضة هو الذي عيّنته الهيئة العليا للمفاوضات، إلا أن المبعوث الأممي يحاول الزج بأسماء رشحتهم روسيا، كمستشارين.
وفيما كانت اجتماعات هيئة التفاوض في الرياض، طوال يوم أمس، مستمرة لتحديد موقفها من المشاركة في المفاوضات، علمت “العربي الجديد” من مصدر مطلع أن مرشحي روسيا للمشاركة في المفاوضات والذين تمت دعوتهم لمدينة لوزان في سويسرا، عقدوا اجتماعات خلال الأيام الثلاثة الماضية، جزء منها كان مع جهات دبلوماسية دولية، وجزء آخر كان عبارة عن اجتماعات بينهم، أنتجت تشكيل قائمة مكوّنة من 30 شخصية، قُدّمت إلى دي ميستورا، لتشارك كوفد واحد في مباحثات جنيف تحت مسمى وفد “الديمقراطيين العلمانيين”، بموازاة وفد الهيئة العليا للمفاوضات، مطالبين بتوجيه دعوات للمشاركة بمباحثات جنيف للأشخاص الذين لم توجه لهم دعوة لهم مسبقاً، وفي حال عدم توجيه الدعوات، لن تشارك هذه القوى في جنيف.
وأوضحت المصادر أن 15 شخصاً من أصل الثلاثين، سيكونون في قاعة المفاوضات، على أن يكون من بينهم، الرئاسة المشتركة لمجلس “سورية الديمقراطية” المكونة من هيثم مناع وإلهام أحمد، وصالح مسلم، وقدري جميل ورندة قسيس.
“آقبيق: ما يتم طرحه على طاولة المفاوضات بما يتوافق مع جنيف 1 والقرار 2245، هي طروحات مقبولة”
من جهته، يؤكد عضو الائتلاف السوري المعارض منذر آقبيق، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ما يتم طرحه على طاولة المفاوضات بما يتوافق مع جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2245، هي طروحات مقبولة من “انتقال السلطة، وتشكيل هيئة حكم انتقالي، وانتخابات حرة ونزيهة وغيرها من النقاط المتوافق عليها”، لكنه يشير إلى أن “المشكلة تبقى باختلال التوازن على الأرض، وهذا الاختلال يجعل تطبيق هذه المقررات صعباً، فالمعارضة لا تملك القدرة ولا القوة ولا النفوذ لتفرض شروطها على (رئيس النظام) بشار الأسد، والأخير لا يتعاون مع الأطراف الدولية على نقل السلطة، ونحن نرى الدعم اللا محدود لنظام الأسد”.
ويلفت إلى أن “قوات النظام والقوات الداعمة لها، تقصف بكافة الأسلحة، المدفعية والصواريخ والطيران، وتحاول تصفية المعارضة المعتدلة، وكل ذلك، من دون أن تقترب من تنظيم داعش أو الفصائل المتشددة أمثالها”، معتبراً أنه “لا توجد قوة أو نفوذ كافٍ قادر على الضغط على الأسد، وإجباره على التعاون مع الشرعية الدولية، أو يقوم بدعم الثوار على الأرض، بينما روسيا تعطي الأسد الثقة بالنفس وكافة مصادر القوة على الأرض وفي الساحات السياسية”.
وحول توقعاته بما يخص التفاوض، يتوقع آقبيق أن تتحوّل المفاوضات إلى “حوار طرشان، فالمعارضة ستتكلم عن بنود جنيف 1 وقرار مجلس الأمن، وحق الشعب السوري وغيرها من النقاط، فيما وفد الأسد سيقول “أنتم إرهابيون” ولن ينصاع لأي مطلب شرعي أو دولي، أما الدول الغربية والصديقة للمعارضة ليس لديها القدرة على الأسد، وبالتالي فمصير المفاوضات متعلق بروسيا”.
ويلفت إلى أن “روسيا تستطيع وقف إطلاق النار إذا كانت تريد ذلك، وفي حال أرادت اتفاقاً سياسياً ظالماً للشعب السوري ولا يحقق طموحاته فهي تستطيع ذلك، لكن هذا لا ينهي الحرب ولن يصنع السلام”. ويعتبر أن “روسيا تريد معارضة حمائم وليس صقور ليقدموا تنازلات، وتعرف تمام المعرفة أن وفد المعارضة المشكّل في الرياض لن يقدم هذه التنازلات”.
العربي الجديد