قـــراءة فــي الــصحف
ستُكتب قصة سوريا من جديد بعد وصول ترامب، وسنرى أمامنا أحد ثلاثة سيناريوهات؛ قد يتدخل في سوريا، وقد لا يتدخل، وقد يستمر في دعم الإدارة الأمريكية لحزب الاتحاد الديمقراطي. هي احتمالات مختلفة نعم، ولكن يجب أن ندرسها.
بالنسبة للاحتمال الأول، وهو أنْ يتدخل ترامب في سوريا، ربما يتدخل بصورة قوة مركزية أمريكية لوحدها في سوريا، وبرغم أنّ هذا الاحتمال ضعيف إلا أنه يبقى واردا. والاحتمال الآخر يتمثل بقيادة أمريكا لتحالف دولي واسع للتأثير في المشهد السوري، وهذا احتمال قائم بقوة. أو ربما يأتي ويطلب من تركيا المشاركة سويا لدخول الرقة، ويأتي بطلب إلى تركيا كما جاء بوش عام 2003.
وعند النظر إلى ترامب نفسه، تجدون أنه قد لا يتدخل أبدا في سوريا ويبقى بعيدا عنها، ويتجه نحو المواجهة مع الصين، وحينها ستنفرد روسيا وتركيا مع إيران والاتحاد الديمقراطي.
أو ربما يستمر ترامب في سياسة أوباما، من خلال دعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وتكوين دويلات صغيرة، وتحويل سوريا إلى دولة فيدرالية، وهذا الاحتمال قائم في حال اتفق ترامب مع روسيا وتجاهل تركيا، حينها سيتم تكوين دويلات سنية وشيعية وكردية.
بينما اذا فضّل ترامب التدخل في سوريا، فإنّ لذلك سيناريوهات وأشكال مختلفة، فمثلا اذا تدخل بصورة منفردة، حينها سيضيق الخناق كثيرا على تركيا في مجال المساومة، وسندخل مرحلة لا نستطيع معرفة شكل نهايتها، لكن في الواقع، تواجد روسيا على الأرض في سوريا يقلل من هذا الاحتمال، لأنّ ذلك كان ممكنا في 2012، أما اليوم فهذا الاحتمال ضعيف للغاية.
ولهذا قد يتجه ترامب نحو قيادة تحالف دولي، وهذا الاحتمال الأكثر قوة، فإذا اتفق بوتين وترامب، قد يتجهون ويقودون مسيرة الرقة كما مسيرة برلين التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا السيناريو ليس سيئا بالنسبة لتركيا، لأنّ التدخل في سوريا بتحالف دولي واسع النطاق سيقلل من الوجود الروسي والأمريكي، وتركيا منذ اليوم الأول كانت تنتظر حلا تحت مظلة الأمم المتحدة، وهذا الاحتمال يزيد من إمكانية المحافظة على وحدة التراب السوري.
أما السيناريو الأخير، فيتمثل بتدخل أمريكي تركي، وهل سيكون ذلك جيدا ام سيئا لتركيا؟ شكل التدخل والعملية العسكرية هو الذي يحدد ذلك، فإذا أراد ترامب ان تدخل تركيا بصورة موسعة في شمال سوريا فإنّ ذلك سيكون جيدا لتركيا. أما اذا أراد من تركيا ان تقوم بعملية عسكرية ليسجل نجاحات باسمه حينها تركيا لن توافق، لأنّ ذلك سيشبه ما عُرض على تركيا بتاريخ 1 آذار/مارس عام 2003، ولذلك يجب تحديد الطرف الذي سيسطر على الرقة في حال أرادت أمريكا الدخول بعملية عسكرية مشتركة مع تركيا.
ونشر “معهد واشنطن” مقالاً للكاتب “ديفيد بولوك” يقول فيه، في الأسبوع [الأول] بعد تنصيبه، ستكون للرئيس ترامب فرصة استثنائية لوضع تصاميمه الدبلوماسية الجديدة قيد الاختبار في مكانٍ غير متوقّع هو الأستانة، العاصمة البعيدة لكازاخستان. وإذا كان هذا يبدو وكأنه طرفة تُلقيها شخصية بورات الكوميدية، فهو ليس كذلك. فالأستانة هي المكان الذي ستعقد فيه روسيا جولة جديدة غاية في الأهمية من محادثات السلام السورية، وقد تفاخرت موسكو بدعوتها إدارة ترامب الجديدة.
وليس هناك شيئاً جديداً، أو سيئاً بالضرورة، في محاولة العمل مع روسيا بشأن سوريا. وقد حاول الرئيس الأمريكي الذي انتهت ولايته باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري القيام بذلك على مدى السنوات الأربع الماضية. وكانت النتيجة هي الفشل، باستثناء الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2013 حول التخلص من معظم (وليس جميع) الأسلحة الكيميائية التي يملكها نظام الأسد.
أما بالنسبة للرئيس ترامب، فسيكون إحياء هذا الجهد أمراً جيداً بشكلٍ واضح – شريطة أن يوفر هذه المرة احتمالاً واقعياً لتحقيق الأهداف الأمريكية الإيجابية، بدلاً من مجرد إعطاء المزيد من الوقت للأهداف الروسية السلبية المتمثلة في إبقاء الأسد في السلطة بأي ثمنٍ كان (انظر مقالة منتدى فكرة، “ترامب والشرق الأوسط.. بين الأمل والتوجس”).
إن هذا الاحتمال قائم، إذا تم استغلال الوقائع الجديدة على الأرض، والمقاربات الدبلوماسية الجديدة على النحو المناسب. وثمة ما يدعو للاعتقاد أن ترامب يعتزم القيام بهذا بالضبط، بناءً على القراءة الدقيقة لـ مقابلته الغامضة من السادس عشر من كانون الثاني/يناير في صحيفتيْ “تايمز” اللندنية و”بيلد” الألمانية. فقد اقترح فيهما اتفاقاً حول العقوبات المفروضة على روسيا التي يمكن من خلالها أن “يستفيد الكثيرون”. وأشار إلى أن تخفيض الأسلحة النووية سيكون “جزءاً منه” – لكنه أشار أيضاً إلى “الوضع الانساني الرهيب” في سوريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا ستقبل روسيا بأي من ذلك؟ يعود أحد الأسباب إلى أن ترامب على استعداد لاستمالتها عبر تخفيف العقوبات الانتقائية. وما هو أكثر أهمية أنه لن يحتاج إلى تقديم الكثير جداً، إذ تتوافر أسباب إضافية بالنسبة إلى روسيا لكي تتوصل إلى تسوية. أولاً، سيؤدي هذا الاتفاق إلى تأجيل الإجراءات ضد نظام الأسد – الذي يُعتبر ضعيفاً جداً لاستعادة السيطرة على جميع أنحاء البلاد دون دعم عسكري خارجي على أي حال. ثانياً، تريد روسيا حقاً تخليص سوريا من الإرهابيين الجهاديين، الذين تعتبر أنهم يهددون أمنها الخاص. ثالثاً، ستخدم التسوية الحقيقية بشأن سوريا قدرة روسيا على تحقيق التوازن بين الجهات الإقليمية المتنازعة: أي السنة والشيعة، والأتراك والأكراد، وحتى العرب والإسرائيليين.
المركز الصحفي السوري _ صحف