حامد الكيلاني – العرب
حبر حملة الأقلام كحبر السيل الأعظم المتدفق بدماء الأبرياء، عليه ألّا ينضب أو يجف في أعماق حراس المثل العليا الذين في مقدمة مهماتهم رفض السير مع المشيعين لجنازة الأمل بمقاومة الشعوب وثورات أغصان الزيتون البكر. تلك الجنازات التي تجيد تنظيمها أجهزة الأمن والقمع وشُعَب الاستخبارات الضليعة بفنون التعذيب وتشويه الحقائق واستدراج الموت والقتل بالجملة لتوجيه أصابع الاتهام واللوم إلى من أطلق غضب نظام حاكم كالنظام في سوريا، رغم أن الجميع يدركون سلفاً مخاطر إقلاق نوم وراحة الوحش الجاثم فوق أنفاس أمة السوريين.
إطالة أمد الصراع في سوريا والمماطلة بتنفيذ قرارات جنيف وما صدر عن منظمة الأمم المتحدة تمت تحت مظلة الدروع الواقية للاتحاد الروسي، وبمساعدة مخلفات الفكر الفاشي لأقبية الباسيج النازية وخبرتها على مدى عقود من حكم الملالي بتغول إجرامها ضد الشعوب الإيرانية، كل ذلك منح النظام الحاكم في سوريا طاقة البطش وهو المتمرّس وراثيا بمهنة المكائد وتسقيط الخصوم واحتكار شعار المقاومة لإسكات أي صوت وطني.
فلسطين بالنسبة للنظام الحاكم في سوريا لا تقل عن هوس النظام الإيراني في تدمير الأمة العربية “حبا” في الشعب الفلسطيني وقضيته، حتى أن الملالي أطلقوا اسم “القدس” على فيلقهم التابع لحرس ثورة الخميني بمهامه التوسعية وألويته الميليشيوية ذات الاستخدام المزدوج بهيمنة السلاح ومصادرة القرار السياسي في الدول المغدورة بالتمدد الطائفي الإيراني.
ما الذي دفع السلطة الحاكمة في العراق إلى إعلان الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس مستشارا أمنيا لمجلس الوزراء منذ عدة سنوات، في إشارة يفهم منها كما أكدت إحدى نائبات البرلمان العراقي مؤخرا إن سليماني تلتقي به جميع الشخصيات والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات ودون استثناء، بما يرسخ مرجعيته في تقرير مصير الانتخابات، إضافة إلى توجيه دفة الصراعات الدولية الواردة جداً في المنطقة لصالح ولاية الفقيه باستراتيجية الاعتماد على الدم العراقي والسوري في توظيف شعار محور المقاومة من أجل فلسطين والقدس.
يكفي أن تذكر كلمة فلسطين في سوريا النظام حتى تتجلى أمام الشعب السوري خارطة الطريق إلى شعبة فلسطين في دمشق، والتي تحولت بعد ثورة الشعب السوري إلى مقرات ميدانية مفتوحة لـ”هولوكوست” متكرر على مسرح عروض الفرجة الدولية إما بالتواطؤ الضمني بأنصاف الاعتراف بالحقائق أو أرباع الشك من مصالح دولية متشابكة وإما بأجزاء من ارتباك في لحظة تشوّش للضمير الإنساني الذي كان ينتصر سابقا للحرية والعدالة وحق الشعوب في غد أفضل.
تنظيم الدولة الإيرانية إن كان مفيدا للعالم، فهو بقدر فائدة تنظيم الدولة الإسلامية لإشارات مرور القطعات العسكرية الدولية نحو أهدافها في السيطرة والاستيلاء على مواطئ أقدام لحماية استراتيجياتها
الضمير الذي بات اليوم يتقبل الأمر الواقع، ويرتضي إدانة صمود البنادق في ميادين يتشرف بها الموت وذلك لأسباب تتعلق بمهنية أجهزة الأمن المتمرسة على تفريغ محتوى الصراع وإقحام العناصر الدخيلة لتشويه وإحراق كتاب الثورة الشعبية، لم يتبق منه ربما سوى شيء من العنوان والمقدمة مع شيء من خاتمة مفتوحة تحاول وتجتهد ألّا تستسلم وهي تتطلع إلى المدن المسبيّة مقابل كومة حقائب وزارية ترمى إلى المعارضة السورية في عملية انتقال سياسي داخل نفق مظلم وعفن مليء بجثث الشعب السوري لإعادة تأهيل شعبة فلسطين وفيلق القدس، ولتجهيز منصة دمشق لسياسة روسيا الخارجية وافتتاح السوق العالمية الحرة لأكثر من 200 سلاح وتقنية مجربة من إنتاج شركات الصناعات الحربية الروسية.
لا يمكن خذلان الثورة السورية بمنتجات فرعية للإرهاب بدأت في العام 1979 في أفغانستان مع دخول قوات الاتحاد السوفييتي واستمرار اغتنام ذلك الإنتاج بثورة الخميني، إلى غاية الحاضر حيث كارثة الاحتلال الأميركي للعراق التي فتحت هاوية النسيان لسقوط أكثر من دولة عربية وبما طعنت من مفاهيم تضامن الشعوب ومواقف وحدتها لمناصرة التقدم وثوابت حقوق الإنسان.
فلسطين بالنسبة للنظام الحاكم في سوريا لا تقل عن هوس النظام الإيراني في تدمير الأمة العربية “حبا” في الشعب الفلسطيني وقضيته
احتلال أفغانستان من الاتحاد السوفييتي إلى احتلاله من قبل القوات الأميركية، ثم الاحتلال الأميركي للعراق وبعدها احتلال روسيا لسوريا، تلك التداعيات كانت فرصة ثمينة لنظام ملالي إيران المتخلف لاستغلال الفراغ في المنظومة العربية نتيجة للأحداث المعروفة والتي أدت إلى اهتزاز القناعات بالمشروع العربي كضامن لمواجهة التحديات السافرة، خاصة بعد تفكك العراق وتبعثر وتشظي والتباس وسائل التغيير والتحديث ووقوعها فريسة لمشاريع بذات خط إنتاج النظام الإيراني.
الطامة الكبرى كانت استجداء إدارة الرئيس الأميركي السـابق باراك أوباما توقيع الاتفاق النووي مع إيران الذي نشر الوباء الطائفي كسلاح متعدد الأغراض وبتصاميم مختلفة؛ لكنه أطلق باتجاه آخر ورطة التصريح بمخزونات أتباعه ومقلديه كنماذج من بالونات دعايته السياسية للترويج إلى انتهاء مرحلة وبداية مرحلة تنفيذ المشروع الإمبراطوري بالجيوش الميليشيوية.
لكن الخسائر تبدو أكبر وأعمق بعد إشهار الملالي لتشكيلاتهم القتالية وفصائلها وأسماء قادتها ومصادر تمويلها ونقاط حركتها التي لم تعد مجرد بيانات على ورق، إنما انتقلت إلى اغتيالات وتجارة مخدرات ومافيات وعمليات إرهابية وزرع خلايا صاحية في أفريقيا ونائمة في أوروبا وغسيل أموال وميليشيات وطموحات بالاستيلاء على دول بعد العراق، إلا أن وجهتهم دائماً، ودون تردد وكتمان، صوب احتلال مكة.
تنظيم الدولة الإيرانية إن كان مفيدا للعالم، فهو بقدر فائدة تنظيم الدولة الإسلامية لإشارات مرور القطعات العسكرية الدولية نحو أهدافها في السيطرة والاستيلاء على مواطئ أقدام مستقبلية لحماية استراتيجياتها وأيضاً مناوراتها الأمنية في التقارب والتباعد مع جغرافية حدودها، وفائدته أيضاً بقدر تصريف البضائع العسكرية وهي بالنسبة لبعض الدول من مرتكزات دخلها القومي.
بمعنى أن التنظيمين الإرهابيين يعملان وفق رؤية محدودية الواجبات المتاحة، وإن اختلفت في حجمها وصلاحياتها بين النظام الإيراني الراعي الأول للإرهاب في العالم، وبين منتجاته من تنظيمات متشددة إن بالدعم المباشر أو عن طريق وسطاء أو بدفع المجاميع إلى زاوية التطويق بسياسة أن لا حياة إلا بالإرهاب.
عمليات القصف العشوائي بالمدفعية والدبابات والقصف بالبراميل والأعتدة الأخرى المجربة في الغوطة الشرقية تنافي منطق استمكان مصادر إطلاق النار حيث تتواجد الفصائل المسلحة بالتعميم مع التذكرة بالتقنيات الحديثة التي يروج لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفخر واعتزاز كأساليب في الرصد والتحقق وبما يعرف بالأسلحة الذكية والصواريخ الموجهة.
لكنها حرب عشواء وخبط سياسة عشواء لروسيا وإيران والنظام الحاكم في سوريا، والهدف واحد هو تشييع ما تبقى من أحلام ثورة الشعب السوري أو ثورة الإنسان السوري.
تشييع لن تشارك فيه دماء الأبرياء وبنادق المقاتلين الشرفاء، وأكيد وحتماً لن تشارك في تشييعه أقلام القرارات الإنسانية الدولية وكذلك الأقلام الحرة التي طالما لاحقت قلوب وأدمغة الطغاة بالجلطات.