المركز الصحفي السوري
علي الحاج أحمد 26/12/2014
لم تفرّق الحرب والقذائف والصواريخ والبراميل، في اصطيادها لأرواح السوريين، بين عسكري أو مدني، بين كبير أو صغير،هذه الحرب المندلعة منذ أربع سنواتٍ، والتي لم يكن أحدٌ يتوقع أن تصل إلى هذا الحدّ من القتل والتدمير في مختلف المحافظات, انعكست نتائجها على حياة المواطنين من الأعمار كافة.
في ظلّ غياب إحصائياتٍ دقيقةٍ عن عدد المصابين بإعاقاتٍ دائمةٍ وبترٍ للأطراف في سوريا، وبسبب صعوبة إجراء إحصاءٍ دقيقٍ، تقول إحصائيات الحروب في العالم إن كل قتيلٍ يقابله خمسة جرحى، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد القتلى مائتي ألف، ما يعني أن عدد المصابين قارب مليون مصابٍ وأكثرهم مصابين بإعاقات دائمة وبتر للأطراف، وتزايد الإقبال على طلب الأطراف الصناعية نتيجة الحرب الدائرة التي طالت الآلاف، مخلفةً ضحايا ممن فقدوا أطرافهم بين العلويَّة والسفلية، وأحالتهم إلى معاقين، وكلفة الطرف الواحد أضحت باهظة الثمن، لتزداد محنة السوريين أكثر فأكثر.
الشاب”قاسم”في الثلاثين من العمر حدثني قائلاً: كنت أعمل سائقاً لسيارة شحن صغيرة في نقل مواد البناء، وأثناء مروري ببلدة “حاس” بريف إدلب الجنوبي سقط أحد البراميل المتفجرة من مروحيات هذا الطاغية بالقرب مني مما ألحق الضرر والأذى بسيارتي وأصابت إحدى الشظايا فخذي الأيسر، نقلت إلى المشفى وأُجريت الإسعافات الازمة، وقام أحد الأطباء بتضميد الجرح وإخاطته، وبعد ساعات أخرجوني إلى البيت، كان الألم يزداد شيأً فشيأً مع إزدياد النزف، وفي اليوم الثاني أعادوني إلى المشفى فأعطوني بعض المسكنات، وأعادوني إلى البيت، بقيت على هذه الحال ثلاثة أيام حيث أصبحت ساقي ملونة بالون الأزرق مائلةً إلى السواد، فقرر إخوتي أن ينقلوني إلى أحد المشافي التركية، وهناك كانت الطامة الكبرى، (بعد أن قام الأطباء بفحصي وتصوير مكان الإصابة تبين، أن الشريان الرئيسي قد قطع أثناء الإصابة، والشرايين بعد مرور 8 ساعات لايمكن وصلها، وأن ساقي قد ماتت على حد تعبيره ويجب بترها) عندما سمعت ذالك جننت وبدأت أصرخ ورفضت أن تقطع ساقي ولاكن الأطباء حذروني إن لم يتم بترها فسوف تصاب بالغرغرينا وتموت فقلت إتركوني أموت ولا تقطعوا ساقي، وبعد مجادلات كثيرة مع إخوتي والأطباء أدخلوني إلى غرفة العمليات وبتروا لي ساقي من فوق الركبة، أصبحت معقداً نفسياً لا أريد رؤية أحد، لكي لاينظرولي بنظرات الشفقة ويحسسوني بأني عاجزاً ومعاقاً.
وبعد مرور تسعة أشهر قام أشقائي بإصلاح وببيع سيايرتي التي كانت مصدر رزقي، وقرروا أن يُركِّبوا لي طرفاً صناعياً، وافقت بدون تردد رغم كلفته التي تجاوزت 450 ألف ليرة سورية، وعندما ركّبتُ الطرف ووقفت على قدمي أحسست بأني خلقت من جديد، بدأتُ أشعر بتحسنٍ كبيرٍ في وضعي، مقارنةً بما كنت عليه في الأيام الأولى بعد الإصابة، وتكيّفت مع حالتي الجديدة، وأصبحت أُكمِل حياتي بشكل طبيعي، وأنا أعمل الآن بائع ألبسة بأحد المحلات التجارية.
تقول بعض الإحصائيات إن 90% من جرحى الأزمة هم من المدنيين، أغلبهم من القذائف أو القصف الجويّ، ومن المعروف أن الحلقة الأضعف في الحروب هم دائماً الجرحى، لكن الغرابة أن جميع “مراصد حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية” تحصي القتلى، وتتحدث عن اللاجئين والمشرّدين، وتنسى هؤلاء الذين يخسرون أطرافهم، حيث خلّفت العمليات العسكرية والقصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، على امتداد السنوات الأربع، عشرات الآلاف ممن فقدوا أطرافهم. وبسبب الحصار والعقوبات تكون الأطراف الصناعية غالية الثمن، والمعاق ليست لديه القدرة المادية لتوفير الحدّ الأدنى من سعر الوحدة التي تجاوزت نصف المليون ليرة سورية.
ألم يأتِ الوقت المناسب للدفاع عن حقوق هؤلاء؟ الأزمة التي تمرّ بها البلاد لم تعد حجةً كافيةً للتبرير، أنقذوا المعاقين قبل أن يصبح المجتمع عاجزاً جسداً وفكراً!!