الإيكونومست
دخلت دبابات وقوات تركية مدعومة بمروحيات وطائرات دون طيار إلى سوريا خلال نهاية الأسبوع الماضي من أجل إجلاء 38 جنديا تركيا كانوا يحرسون ضريح سليمان شاه, جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية. كانت النية تتجه إلى حماية الجنود من هجوم محتمل من قبل جهاديي الدولة الإسلامية (داعش). يقع الضريح على بعد 30 كم إلى الجنوب من الحدود التركية ووسط خطوط إمداد الجهاديين الرئيسة باتجاه مدينة الرقة, عاصمة دولتهم المزعومة. هذا الاجتياح الليلي يعتبر أول دخول تركي إلى سوريا منذ بداية الانتفاضة قبل أربعة أعوام تقريبا.
الحكومة السورية من جانبها وصفت التحرك التركي بأنه “اعتداء صارخ”. يعتبر موقع الضريح جيبا تابعا للأراضي التركية وفقا للمعاهدة التي وقعت بين تركيا وفرنسا عام 1921, عندما كانت سوريا تحت حكم فرنسا.ولكن سوريا تصر على أنه كان يتوجب على تركيا طلب الإذن قبل الدخول. رئيس الوزراء التركي أحمد أوغلو اعترف بأن تركيا لم تطلب الإذن, ولكن يبدو أن ذلك لا يشكل إزعاجا بالنسبة له ؛ حيث وصف المهمة بأنها “ناجحة إلى أبعد الحدود”. في هذه الأثناء فإن رفاة سليمان شاه نقل مؤقتا إلى موقع قريب من الحدود التركية.
ربما يتيح هذا التحرك لتركيا لعب دور أكثر جرأة في القتال الدائر بقيادة أمريكية ضد الجهاديين. الحكومة التركية التي يسيطر عليها الإسلاميون الجدد ترفض لحد الآن الضغط الذي يمارس عليها للسماح لطائرات التحالف باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية جنوب تركيا من أجل ضرب أهداف داعش داخل سوريا, وذلك بسبب الخشية من انتقام الجماعة من الجنود المتواجدين في ضريح سليمان شاه. الحكومة كان لها تجربة سابقة قبل ذلك؛ الصيف الماضي تجاهلت تحذيرات بأن داعش على وشك مهاجمة مدينة الموصل العراقية وفشلت في إخلاء قنصليتها هناك. هاجم الجهاديون القنصلية واختطفوا 49 موظفا في القنصلية كرهائن. تم إطلاق سراحهم في عملية تبادل تضمنت إطلاق سراح عدة مئات من مقاتلي داعش من السجون التركية. يقول أوزغور أونلوسرسكلي, من معهد جيرمان مارشال في الولايات المتحدة :” مع ابتعاد جنودها عن الخطر فإن تركيا سوف تكون أكثر حرية لتكون طرفا في التحالف, إذا شاءت ذلك”.
قليلون هم من يعتقدون إنها سوف تدخل في التحالف مع كل ذلك. يعتقد أن لداعش شبكة قوية داخل تركيا, من شأنها أن تزعزع استقرار البلاد قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 7 يونيو. في مذكرة سرية سربت إلى الصحافة التركية, حذرت المخابرات الوطنية من أن هناك خلايا لداعش داخل تركيا تخطط لشن هجمات إرهابية ضد سفارات البلاد التي شاركت في التحالف المناهض لداعش. كما لن يكون مساعدا قيام تركيا وأمريكا بتوقيع اتفاق الأسبوع الماضي لتدريب وتسليح المتمردين السوريين المعتدلين الذين يقاتلون داعش أيضا.
سواء أدت عملية الإخلاء إلى تصعيد الهجمات ضد داعش أو لا, فإنها تشير إلى تغير كبير في علاقات تركيا مع الأكراد في سوريا. يقول المسئولون الأكراد إن العملية جرت بالتعاون مع وحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا (واي بي جي). ظهرت وحدات الحماية الشعبية على المسرح الدولي عندما أخرجت داعش من مدينة كوباني السورية الشهر الماضي, بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية المستمرة. (المقاتلات الإناث اللواتي يقاتلن في صفوف وحدات الحماية الشعبية جذبن اهتمام الصحافة العالمية أيضا). ادعاءات وحدات الحماية الشعبية على الإنترنت بتسهيلها للعملية عززت بصور للدبابات وناقلات الجند المدرعة وهي تسير في شوارع كوباني, التي من المفترض أنها كانت في طريقها إلى ضريح سليمان شاه. السيد أوغلو لم ينف تصريحات وحدات الحماية الشعبية.
حتى وقت قريب رفضت تركيا وصف وحدات الحماية الشعبية بأنها إرهابية. المنظمة مقربة من حزب العمال الكردستاني (بي كي كي), الجماعة المتمردة التي تقاتل داخل تركيا للحصول على حكم ذاتي منذ عام 1948. بتحريض من حزب العمال الكردستاني, أنشأ الأكراد السوريون كانتونات للحكم الذاتي وهو ما تخشى تركيا من أنه سوف يغذي رغبة الانفصال لدى الأكراد داخل حدودها. ترفض تركيا المطالب الأمريكية لمساعدة وحدات الحماية الشعبية لمواجهة الإسلاميين, وفي الواقع تدعي وحدات الحماية بأن تركيا تدعم الجهاديين ضدهم. تزايدت هذه الاتهامات عندما رفضت تركيا فتح ممر في أكتوبر الماضي للمقاتلين الأكراد للوصول إلى كوباني, في الوقت الذي كانت فيه البلدة على وشك السقوط في يد داعش. في النهاية, ألقت الولايات المتحدة الأسلحة جوا لوحدات الحماية الشعبية, تاركة تركيا في حالة صدمة.
إجلاء القوات التركية من ضريح سليمان شاه بالتأكيد سوف يوفر لتركيا مساحة أكبر لمساعدة التحالف في قتاله لداعش, ولكن ما هو غير واضح هو ما إذا كانت أنقرة تريد فعلا استغلال الفرصة. ولكن في أي حال, فإن ذوبان الجليد في العلاقات بين تركيا وأكراد سوريا سوف يشكل فائدة أكبر لأمريكا وللدول الأخرى في القتال ضد الجهاديين. الأمر الأكثر أهمية, هو أن ما جرى سوف يساعد تركيا في الوصول إلى السلام الذي طال انتظاره مع الأكراد في الداخل.
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي