تقدم مسؤول في غرفة تجارة ولاية أضنة التركية بطلب الحصول على براءة اختراع من الاتحاد الأوروبي، لتسجيل وجبة الكباب المعروفة بـ”أضنة كباب”، ليتسنى تسويقها بشكل رسمي داخل بلدان القارة الأوروبية كعلامة تجارية تركية مسجلة، بعد أن بدأت هذه الأكلة، إلى جانب الشاورما ومختلف المشويات التي يشتهر بها المطبخ التركي، تلاقي إقبالا هاما من المستهلكين الأوروبيين، في ظاهرة شبهها بعض المراقبين بظاهرة الهمبرغر الأميركي.
عولمة الكباب
إسطنبول – تعتبر زيارة إسطنبول ناقصة إذا لم يجرب السائح أكلة الكباب والمشاوى التي تقدمها عربات تنتشر في ميدان تقسيم والشوارع المحيطة.
وتنشط هذه العربات المتنقلة أساسا في آخر الليل، حيث يكون مشروب العيران مع سندويتش كباب أجمل ختام للساهرين.
ولا يختلف الكباب التركي، الذي يتكون من لحوم مفرومة يُضاف إليها البصل والبهارات الأخرى، عن الكباب المنتشر في عدد من الدول العربية كثيرا، لكن وفيما بقي الكباب “العربي” مجرّد أكلة لذيذة في المطبخ الشرقي أساسا، وجدت فيه تركيا وسيلة لتحقيق ما فشلت فيه السياسة، الدخول بقوة إلى أوروبا.
ويعتبر الكباب، الذي يقال إنه لفظة آرامية وترجع أصوله إلى المطبخ الحلبي، حجر الزاوية في ثقافة المطبخ التركي. ويعدّ بنكهات وطرق تختلف من منطقة إلى أخرى؛ وإن كان ألذ كباب هو كباب أضنة القريبة من الحدود السورية.
ومؤخرا، تقدم اتيلة منافشا رئيس غرفة تجارة محافطة أضنة جنوبي تركيا بطلب الحصول على براءة اختراع من الاتحاد الأوروبي لتسجيل وجبة الكباب التركية، المعروفة بـ”الأضنة كباب”، كماركة تركية مسجلة.
وتعني هذه الخطوة تسويق الكباب التركي بشكل رسمي داخل بلدان القارة الأوروبية؛ وبالتالي تكون تركيا التي طالت بها الطريق نحو عبور بوابة الاتحاد الأوروبي، قد نجحت في اقتحام عقر دار الأوروبيين من بوابة الكباب والشاورما.
الأتراك الذين طالت بهم الطريق نحو عبور بوابة الاتحاد الأوروبي ينجحون في اقتحام الدول الأوروبية من بوابة الكباب
وأشار منافشا إلى أن الفكرة جاءت بعدما شاهد الوجبة نفسها معروضة في أحد المعارض الغذائية في ألمانيا من قبل شركة أجنبية، وهو ما دفع إدارة الغرفة لدراسة فكرة تسجيل الكباب التركي للحفاظ على هويته التركية، فيما علق مذيع تركي مازحا على الفكرة بقوله “يبدو أن الكباب التركي سيدخل البرلمان الأوروبي قبل تركيا نفسها”.
ويؤكد ديفيد هارلي محرر صحيفة الغارديان البريطانية أن الشاورما ظهرت إلى الوجود في أوروبا مصحوبة بتغيرات كبيرة في العالم، من بينها حركة الهجرة إلى القارة الأوروبية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي ألمانيا على سبيل المثال، فتحت الأبواب أمام العمال الأتراك للمشاركة في المعجزة الاقتصادية الألمانية وتوافد عشرات الآلاف إلى البلد، لكن تباطؤ الاقتصاد في سبعينات القرن الماضي 1970 وما صاحبه من تسريح للعديد من العمال الأتراك، دفع العديد منهم إلى فتح محلات الكباب والشاورما.
وتخبرنا هذه القصة عن الكيفية التي تنتشر بها المأكولات في عصر العولمة وكيف تغيرت التركيبة السكانية لأوروبا خلال الـ50 عاما الأخيرة وكيف تقبّل سكانها هذه التغيرات.
أكلة عالمية
يقول بيير رافارد، وهو خبير فرنسي في جغرافيا الغذاء إن الكباب التركي شهد تطورا مهما، فبعد أن كان وجبة سريعة زهيدة الثمن تحبذها الجاليات المهاجرة في أوروبا، أصبح يهيمن على مائدة العالم بشكل متزايد.
ويضيف رافارد، خلال مشاركته في ندوة حول عولمة الكباب أقامتها “مؤسسة التاريخ” ومقرها إسطنبول، “أنا باريسي ولم تأخذني أمي البتة إلى المحلات التي تبيع الكباب.
وكان الاعتقاد السائد في التسعينات أن هذه المحلات كانت تبيع لحم الفئران أو لحم الخيول. كان العمال المهاجرون هم فقط الذين يرتادون المحلات التي تبيع الكباب”.
ويضيف الخبير الفرنسي “كانت هذه المحلات رخيصة وتبيع الطعام الحلال، ووجبة كباب واحدة كانت تعطيك الإحساس بالشبع. كان الكباب أكلة المهاجرين، ثم اكتشفه المستهلكون المحليون من الفقراء أعني العمال الأوروبيين والطلبة، ثم بدأ الأمر يزداد. يقدم اليوم الشيف الفرنسي ميشلان تييري ماركس الكباب في مطعمه”.
لم تعد عربات بيع الكباب، وأيضا الشاورما، ماركة مسجلة في شوارع إسطنبول فقط، حيث يقول رافارد “لقد تحسن مستوى أهم الطهاة المهتمين بأكلات الشوارع في إعداد الكباب”، مضيفا أن الكباب أصبح أكلة شعبية في الأطباق الأوروبية والعالمية لأنه بسيط ولا يحتاج إلى طهاة ذوي خبرة.
غزو أوروبا
لم يكن هناك طهاة بين المهاجرين الذين جاؤوا من تركيا إلى أوروبا كعمال أجانب. كان معظمهم من العمال الذين جاؤوا للعمل في المصانع. عندما اندلعت أزمة النفط في عام 1973، أغلقت المصانع وأصبح بعض هؤلاء العمال عاطلين. وفكر بعضهم في استثمار خبرته في مجال الأكل.
لم يحتج مشروع فتح محل كباب طهاة مهرة أو استثمارات كبيرة. بدأ العمال الأتراك، يساعدهم السوريون، في إعداد أكلات الكباب التي وجدت إقبالا من العمال الإيرانيين والجاليات القادمة من منطقة الشرق الأوسط، حيث تنتشر هذه الأكلة.
ويعكس انتشار مطاعم الكباب والشاورما التركية على نطاق واسع في السنوات الأخيرة في معظم المدن الأوروبية تحول هذه الأكلات إلى وجبة مفضلة يسيل لها لعاب الأوروبيين.
وتنتشر المطاعم التركية الكبيرة والصغيرة في أنحاء أوروبا، وخصوصا في ألمانيا التي توجد فيها جالية تركية كبيرة.
وذكرت دراسة أصدرها مركز الدراسات التركية في مدينة إيسن أن مطاعم الدونر كباب لعبت دورا إيجابيا في ازدهار الاقتصاد الألماني وتغيير بنيته الهيكلية.
وحاولت الدول المجاورة لتركيا، خصوصا اليونان منافسة الأطباق التركية في أوروبا، من ذلك التنافس بين الكباب التركي والغريو اليوناني.
لكن، رافارد يؤكّد أن الغريو في الواقع أكلة عثمانية، أخذها اليونانيون المهاجرون معهم من الأناضول إلى اليونان بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية.
وذكر رافارد أن عملية نقلها إلى أوروبا تعود في الواقع إلى الثلاثينات من القرن الماضي عندما فتح اليونانيون أول متجر “غريو” هناك.
وعند التطرق إلى الهويات المزدوجة للأطعمة الشائعة في الثقافة التركية واليونانية، أوضح رافارد أن رسم الحدود الثقافية كان أصعب من ترسيم الحدود السياسية.
العرب