بالتوازي مع التحضيرات لعقد جولة جديدة من اجتماعات أستانا في الرابع من شهر تموز المقبل، تتكثف العمليات العسكرية على الأرض من جانب نظام الأسد وحلفائه، ومن جانب فصائل المعارضة أيضاً بهدف التأثير على المفاوضات الجارية في أكثر من مكان لترسيم حدود مناطق “خفض التصعيد” المقرر أن يُعلَن عنها خلال اجتماع أستانا، وتثبيت وقائع على الأرض لا يمكن تجاهلها عند ترسيم تلك الحدود.
وفي أحدث التطورات المرتبطة بهذا السياق كما يبدو، شنت فصائل المعارضة هجوماً مباغتاً على قوات النظام في محافظة القنيطرة جنوبي البلاد، وتمكنت من السيطرة على مواقع داخل مدينة البعث مركز المحافظة بعد ساعات من إطلاقها معركة لتحرير المدينة التي تسيطر عليها ميليشيا “حزب الله” وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى قوات النظام.
وقال مقاتلو المعارضة إنهم تمكنوا من كسر خطوط دفاع النظام وميليشياته في مدينة البعث، وسيطروا على نقاط هامة إضافة إلى قتل وجرح العديد من عناصر ميليشيا “حزب الله”.
واعترفت وسائل إعلامية مقربة من حزب الله بمقتل عشرة من عناصره في هذه المعارك إضافة لجرح أكثر من مئة مقاتل آخر، بينهم قياديون رفيعو المستوى .
وأعلنت فصائل المعارضة تأسيس غرفة عمليات “جيش محمد” في محافظة القنيطرة، وقالت إن هدفها هو السيطرة على مدينة البعث وطرد قوات النظام منها. وأعلنت الغرفة في بيان لها أن أكثر من 80 عنصراً من قوات النظام قتلوا في المدينة خلال المعارك الأخيرة، بينهم مجد حيمود قائد فوج الجولان التابع للنظام.
وتخضع مناطق واسعة في القنيطرة لسيطرة الجيش الحر، في حين يحتل النظام مركز المدينة، ومدينة البعث إلى جانب مناطق أخرى، متخذاً منها مقرّات عسكرية لقواته ولميليشيا “حزب الله”.
في غضون ذلك، استهدفت طائرات إسرائيلية خلال يومين على التوالي مواقع لقوات النظام في القنيطرة، بسبب ما قالت إنه “سقوط قذائف هاون في الجزء المحتل من الجولان السوري”.
وقال أفيخاي أدرعي الناطق باسم “الجيش الإسرائيلي” إن الغارات الإسرائيلية استهدفت دبابتين للنظام، ومواقع انطلقت منه النيران باتجاه الجولان السوري المحتل.
وتستهدف إسرائيل بشكل شبه دوري مواقع ومراكز للنظام وميليشيا “حزب الله” اللبناني في سوريا، وكان آخرها في نهاية شهر نيسان الماضي، عندما قصفت مستودعات ذخيرة ووقود تعود لميليشيات الحرس الثوري الإيراني في مطار دمشق.
النظام “يردّ” في جوبر ودرعا
من جانبها، شنت قوات نظام الأسد المزيد من عمليات القصف الجوي والصاروخي على حي جوبر شرقي دمشق، وحشدت مزيداً من القوات لاقتحام بلدة عين ترما في الغوطة الشرقية.
وتحاول قوات النظام استعادة النقاط التي خسرها خلال الأيام الاخيرة على جبهة عين ترما، حيث تحشد تعزيزات كبيرة في محيط جبهة طيبة بحي جوبر.
وكان “فيلق الرحمن” التابع للجيش السوري الحر، أعلن عن استعادته عدة نقاط في جبهة عين ترما بالغوطة الشرقية، وقال مكتبه الإعلامي “إن مقاتليه سيطروا على بعض النقاط المتقدمة في وادي عين ترما، إثر عملية عسكرية معاكسة”، مشيراً إلى أن النظام استقدم تعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة.
وتسعى قوات النظام للسيطرة على حي جوبر شرقي العاصمة دمشق، وهو آخر حي بيد قوات المعارضة في تلك المنطقة، وذلك بعد نحو شهرين من سيطرتها على حيي” تشرين والقابون”، وتهجير المئات من المقاتلين والمدنيين منهما.
وفي درعا جنوبي البلاد، ألقت طائرات النظام والطائرات الروسية المزيد من الصواريخ والبراميل المتفجرة على المدينة والمناطق المحيطة بها، وأحصى ناشطون سقوط نحو 800 برميل متفجر على المدينة منذ بدء حملة النظام العسكرية مطلع شهر حزيران الجاري، ومثلها من صواريخ “فيل” محلية الصنع، إضافة إلى نحو 250 غارة جوية، ما تسبب بدمار هائل في الأحياء التي تسيطر عليها قوات المعارضة، إضافة إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، ومقاتلي المعارضة.
من جانبها، أعلنت غرفة عمليات “البنيان المرصوص” التي تضم فصائل عاملة في الجنوب السوري، قتل مجموعات عدة من عناصر”الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام شرقي مخيم درعا، وأكدت أن مقاتلي المعارضة تمكنوا من صد جميع هجمات النظام على المدينة من محاور المخيم وطريق السد وبلدة النعيمة.
تسعى قوات النظام للسيطرة على حي جوبر شرقي العاصمة دمشق، وهو آخر حي بيد قوات المعارضة في تلك المنطقة، وذلك بعد نحو شهرين من سيطرتها على حيي” تشرين والقابون”، وتهجير المئات من المقاتلين والمدنيين منهما.
معركة الرقة والبادية
وفي شرقي البلاد، أعلنت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التقاء قواتها المقتحمة من شرقي مدينة الرقة، مع تلك القادمة من وسط المدينة من الجهة الغربية.
وأكدت “قسد” تواصل المعارك مع تنظيم “داعش” داخل أحياء مدينة الرقة بالتزامن مع قصف صاروخي ومدفعي متبادل بينهما.
وتقول “قسد” إنها تمكنت تقريباً من محاصرة مدينة الرقة من جهاتها الأربع، وذلك بعد أن سيطرت على منطقتي “شيخ الجمال” و”كسر الفرح” جنوبي مدينة الرقة.
يأتي ذلك فيما تحدثت تقارير محلية عن انتشار عدد من الأمراض الخطيرة داخل المدينة مثل السل وذلك في ظل تردي الوضع الصحي والطبي في المدينة، وأكدت تلك التقارير انتشار أمراض اللشمانيا والحصبة أيضاً بين الأطفال، وتعاني المشافي الميدانية من نقص في أكياس الدم من جميع الزمر، وذلك بعد أن نقل تنظيم “داعش” بنك الدم إلى الريف الجنوبي، فضلاً عن النقص في الكوادر الطبية المؤهلة.
وليس بعيداً على الرقة، تتواصل المعارك في البادية السورية بين أطراف عدة، تسعى خلال قوات النظام والمعارضة إلى السيطرة على أكبر ما يمكن من المساحات التي ينسحب منها تنظيم الدولة المتقهقر في كثير من الجبهات.
وأعلنت ميليشيا النجباء العراقية التي تساند قوات النظام أنها سيطرت على مساحات كبيرة من الحدود السورية – العراقية بمساندة من الطيران الحربي الروسي، وتقول الحركة إنها سيطرت بالتعاون مع الميليشيات الأخرى على أكثر من 85 كيلو متراً من الشريط الحدودي ما بين سوريا والعراق، بعد اشتباكات مع تنظيم الدولة، لتفصلها أقل من عشرة كيلو مترات عن الخط النفطي الذي يصل ما بين العراق والساحل السوري، ما يعني أنها باتت في عمق دير الزور التي تحتوي على 40% من الثروات النفطية في البلاد.
وتسعى الميليشيات الأجنبية بدعم من إيران، إلى دخول مدينة دير الزور والسيطرة عليها من جهة جنوبي الرقة والبادية والمناطق الحدودية لوصل الطريق إلى قواتها بدمشق .
كما سيطرت قوات النظام والميليشيات المساندة لها على عدة مواقع جديدة بالقرب من منطقة بير أبو العلاج على طريق حماة- الرقة بريف حلب الجنوبي، بعد معارك مع تنظيم الدولة، لتصبح قوات النظام على بعد أقل من عشرة كيلومترات، عن قواتها في ريف الرقة الغربي، وإطباق الحصار على مناطق سيطرة التنظيم جنوبي شرقي حلب، من سبخة الجبول حتى طريق حماة– الرقة.
إلى ذلك، أعلنت صفحات موالية عن مقتل قائد عمليات النظام في منطقة البادية بريف حمص الشرقي اللواء الركن فؤاد محمد خضور خلال اشتباكات مع تنظيم الدولة، وقالت صفحة “ريف دمشق الآن” إن اللواء خضور قتل على يد التنظيم في المعارك على جبهة حقل آراك بريف حمص الشرقي.
بينما ذكرت “قسد” أنها تمكنت تقريباً من محاصرة مدينة الرقة من جهاتها الأربع، وتحدثت تقارير محلية عن انتشار عدد من الأمراض الخطيرة داخل المدينة مثل السل وذلك في ظل تردي الوضع الصحي والطبي.
في خندق واحد
من جهتها، قالت فصائل المعارضة إنها تمكنت في الآونة الأخير من تكبيد قوات النظام والميليشيات المساندة لها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد في معركة “الأرض لنا” بالبادية السورية، وأكدت أنها قتلت 150 عنصراً لقوات النظام خلال هذه المعارك وأسقطت مقاتلة حربية من طراز سوخوي 22، وتمكنت من إصابة أًخرى، ودمّرت ست مروحيات في مطار بلي، وأكثر من سبع دبابات متطورة لقوات النظام، فضلاً عن خمس عربات مدرعة من طراز «BMB»، وعربتي شيلكا، إضافة إلى ثلاثة مدافع مختلفة وعدة عربات نقل عسكرية.
وبثّت فصائل المعارضة تسجيلاً مصوراً تظهر فيه خسائر قوات النظام والميليشيات الأجنبية، في هذه المعارك.
إلى ذلك، رحب التحالف الدولي بالعمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام والميليشيات الإيرانية ضد تنظيم “داعش” شرقي البلاد، وقال المتحدث باسم التحالف، الكولونيل ريان ديلون، إن “هدف الولايات المتحدة هو هزيمة تنظيم الدولة أينما وجد، وإذا كان الآخرون بما فيهم النظام السوري وروسيا وإيران ينوون محاربة التنظيم فليس لدينا مشكلة”، ورحب ديلون بأي تحرك لقوات النظام باتجاه مدينة البوكمال الواقعة على الحدود العراقية، مشيراً إلى أن التحالف الدولي “لا يسعى في معركته إلى السيطرة على الأراضي، بل فقط محاربة تنظيم الدولة”.
كان لافتاً ترحيب التحالف الدولي بالعمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام والميليشيات الإيرانية ضد تنظيم “داعش” شرقي البلاد، والترحيب بأي تحرك لقوات النظام باتجاه مدينة البوكمال الواقعة على الحدود العراقية.
عشية أستانا
ويأتي تصاعد العمليات العسكرية على هذا النحو عشية اجتماع أستانا المقرر في الرابع من الشهر المقبل، حيث تتكثف المفاوضات والاتصالات بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السوري من أجل رسم وتحديد الحدود الدقيقة لاتفاق مناطق “خفض التصعيد” الموقع في الرابع من أيار الماضي في أستانا عاصمة كازخستان، بهدف التأثير على سير هذه المفاوضات أو محاولات فرض بعض الوقائع بالقوة.
وكشفت أنقرة تفاصيل المناقشات الجارية حول خريطة الوجود العسكري الأجنبي في سوريا، في إطار اتفاقية مناطق “تخفيف التصعيد”، والتي تضمنت نشر قوات تركية وروسية في إدلب ومحيطها، وأخرى روسية وإيرانية على أطراف العاصمة دمشق، على أن تنتشر قوات أردنية وأمريكية جنوبي البلاد، في حين تشير مصادر عدة إلى أن المفاوضات الجارية في عمان بين روسيا وأميركا والأردن منذ منتصف الشهر الماضي، والمكملة للتفاهمات التركية الروسية بهذا الشأن، تتجه إلى الاتفاق على مذكرة تفاهم بشأن “المنطقة الآمنة” في الجنوب، حيث يسعى الأردن لإبعاد الميليشيات التي تدعمها ايران عن حدوده مسافة 30 كلم على الأقل، بينما يتم العمل على رسم خطوط التماس قرب حدود العراق.
وذكر مصدر مقرب من مفاوضات التسوية السورية أن القائمين على رسم حدود “مناطق وقف التصعيد” اتفقوا على حدود منطقتين من أصل أربع مناطق.
ونقلت وكالة “إنترفاكس” عن المصدر الذي قالت إنه رفض الكشف عن هويته، قوله: “إن الأطراف المعنية لمّا تتفق بعد على حدود المنطقة الشمالية، أي إدلب المعنية تركيا بمتابعتها، فيما جرى اتفاق على حدود المنطقتين الثانية والثالثة اللتين تشملان الغوطة الشرقية وشمالي حمص”، مشيراً إلى أن منطقة وقف التصعيد الرابعة، أي الجنوب السوري، لا تزال قيد البحث في الوقت الراهن “نظراً لانخراط الأردن وإسرائيل في شؤونها مع أنه لن توكل لأي من البلدين أي مهام تتعلق بالمشاركة المباشرة في مراقبة وقف التصعيد هناك”.
صدى الشام