تمرُّ على الإنسان لحظاتٌ صعبة، لا يدرك كنهها إلا مَنْ عاشها، فَتَعْرُكُهُ الحياة عَرْكَ الرّحى بِثِفالِها، وتتلاطمه أمواجُ الخيبة والألم، فيجد نفسه أمام مفترق طرق، إمّا أن ينصهر في بوتقة هذا الواقع المليء بالأشواك، أو أنْ يصمد في وجهه، ويحاول النّهوض مجددا، كما هو الحال مع النّازحين في مخيّمات اللجوء الذين عصفت بهم ريح الحرب.
هل تستطيع الفروع الأمنية الحجز على #عقارات_المطلوبين؟؟
أنت أيّها الإنسان ما خُلِقْتَ عَبَثا، ولا يليق بك أن تتهاوى كَجُرْفِ هارٍ مع أوّل عاصفة تجتاحك، العواصف في هذه الحياة لا تنتهي كما أنّ عواصف الشتاء متجدّدة تأتيك تترى على مدار الفصل، وبعد أنْ ينقضي هذا الفصل تعاود الهبوب في آخَر.
ولكن، ما بين فصلي الشتاء تأتي فصولٌ أخرى، فهبوب العواصف وسقوط الأمطار يعقبها ربيع، يحمل معه البشرى والفرح، وتتفتّح فيه الأزاهير كما يتفتّح في نفسك الأمل بعدما كادَ أنْ يذْبل في روحك وتخبو جذوتُه لكثرة ما مررت به من محن، وكذا هو حال.
هذه هي بدايات الانتعاش، وبعدها لابدّ أن تهتزّ روحك وتطرب بعدما عصفت بها الآلام كما اهتزّت الأرض وربت بعد المطر.
لا يضيرك عودتُها ثانية، لأنّها حتما ستنقضي، ويعقبها ربيع آخر، وأيضا يعقبها فصل الصّيف الذي تنضج فيه الثمار، وتينع، ويحين قطافها.
وأنت كذلك، فلو حاولت أن تصمد، وتغذّي نفسك بالإيجابية، وتحدد هدفا تسير عليه، وتحلّ مشكلاتك بتروٍّ، مع شيء من الصبر والعزم والإرادة، وكثير من اليقين، فلا بدّ أنّك ستقف على قدميك وترمي بكل الهموم والمشاكل خلفك، بعد أن تأخذ العبرة مما حدث.
فإذا ما اخترت طريق المواجهة، وعدم الاستسلام، فكن على يقين أنّ لا بدّ الطّريق مُفْضٍ إلى آخِر.
وإذا ما استسلمتَ وجلست تندب حظّك، فستكون في آخر الرّكب، ولا أظنّك ستكون في قوافل الواصلين.
هذا الحال يمكن أنْ نسقطه على ما نعيشه جميعا في ظلّ الحرب والتهجير.
ففي المخيّمات مثلا، بعضهم استسلم للمآل الصّعب الذي آل إليه حاله، فضعُفَتْ نفسُه، وانكسرتْ، وكاد اليأس يخيّم عليه، ولم يعد يرى أيّ بصيصٍ أملٍ بين جدران تلك الخيمة المهترئة، ولا سيّما عندما تزداد الأوضاع الجوية سوءا كما هو الحال في هذه الأيام.
وبعضهم الآخر تجده ذا عزيمة صَلْدَةٍ لا تلين، تحدّى الصّعاب، وراح يبحث عن عملٍ هنا وهناك ليأتِ بقوتِ يومِ عياله، أو أكمل دراسته رغم قسوة الظروف، فهنا طفلٌ يدرس متناسيا الطين وقلة الوسائل التعليمية، والافتقار للمدارس المؤهلة، وهناك فتاة تكمل تعليمها الثانوي على الرّغم من الصّعوبات، وهناك أخرى تكمل تعليمها الجامعي على الرّغم من النّظرات التي يرمقها بها أحدهم، أو الكلمات المحبطة التي قد تتناهى إلى سمعها، متخطّية الثقافة المجتمعية لبعض النّازحين الذين يعيبون عليها إكمال الدراسة.
لا يقف الوضع عند هذا الحدّ، والحديث ذو شجون ويطول ويطول كثيرا، وهذا غيض من فيض، وبوح على جدار خيمةٍ ضمّت بين جنباتها شتاتَ شعبٍ فرّقته الحرب، ولكنّها لمْ تكسر عزيمةَ أمّ الشهيد ولا والده، ولا الذين تركوا ملاعب صباهم رغم البرد الذي يغشى خيامهم، ورغم الهواء القارس الذي يصبغ أنوف أطفالهم ووجناتهم باللون الأحمر، ولم تخنق أصواتهم الصادحة بسقوط الأسد.
ظلال عبود
المركز الصّحفي السوري
عين على الواقع