حذّر الرئيس فلاديمير بوتين أمس من احتمال انهيار الدولة السورية واعتبره «خطراً قائماً»، وقال إن بلاده تؤيد اقتراحاً أميركياً بدمج أطراف معارضة مع هياكل السلطة القائمة حالياً في دمشق. لكن الكرملين، في رسالة تحذير قوية، قال إن منطقة الشرق الأوسط «ستغرق في الفوضى في حال سقط نظام الرئيس بشار الأسد».
وسارع مسؤول أميركي إلى نفي كلام بوتين، قائلاً: «لا يوجد مثل هذا الاقتراح»، بحسب ما نقلت عنه «رويترز». وأوضح أن موقف الولايات المتحدة من رحيل الأسد لم يتغير، مشيراً إلى أن «بيان جنيف» (2012) يدعو إلى تشكيل «هيئة حكم انتقالية يتفق عليها الطرفان وبصلاحيات تنفيذية» وهو ما تفسره واشنطن بوجوب تنحي الأسد عن السلطة لأن المعارضة لن تقبل أبداً ببقائه. لكن لا يُعرف تحديداً الموعد الذي تريده واشنطن لتنحي الرئيس السوري.
وجاء كلام بوتين والرد الأميركي عليه بعد ساعات من قصف طائرات روسية مواقع تابعة لفصيل «جيش سورية الجديد» الذي يدعمه الأميركيون والبريطانيون ويقاتل تنظيم «داعش» في منطقة التنف بريف حمص الجنوبي الشرقي قرب الحدود السورية مع كل من العراق والأردن. وقال مسؤول أميركي الجمعة إن روسيا شنت غارة جوية ثانية على عناصر هذا الفصيل السوري حتى بعدما طلب الجيش الأميركي من موسكو عبر قنوات اتصال التوقف عن القصف، موضحاً أن «عدداً محدوداً» من العناصر قُتلوا في الغارات التي وقعت الخميس. وردت موسكو على هذه الاتهامات بالقول إن من الصعب أحياناً التمييز بين الفصائل المعتدلة والمتشددة، في رد مباشر على طلب الأميركيين من الروس عدم استهداف «جبهة النصرة» في شمال سورية بحجة صعوبة التمييز بينها وبين فصائل أخرى «معتدلة». ووجّه 51 ديبلوماسياً ومسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية رسالة احتجاج على سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما في سورية، مطالبين بشن ضربات تستهدف قوات الرئيس بشار الأسد. لكن مسؤولاً أميركياً قال إن من غير المرجح أن يغيّر أوباما من سياسته الحالية التي ترفض انخراطاً عسكرياً أكبر في النزاع السوري.
وأطلق الرئيس فلاديمير بوتين أمس سلسلة انتقادات شديدة ضد الغرب، قائلاً إنه «دعم الربيع العربي وأسهم في انتشار الفوضى في الشرق الأوسط». وقال في كلمة أمام منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، إن سورية «تواجه مشكلة الإرهاب وكذلك مشاكل سياسية داخلية مهمة أخرى»، مؤكداً أن موسكو لا تسعى إلى توسيع سلطة الأسد، إنما إلى تعزيز الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري من خلال إجراء مفاوضات سياسية.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن تسوية الأزمة السورية تتطلب وضع دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة، مضيفاً أن «الأسد وافق على ذلك». وأضاف أن واشنطن يجب أن تؤثر في المعارضة السورية من أجل المضي في طريق التسوية، مشدداً على أن «الأمر الرئيس في سورية هو منع انهيار البلاد، إذا تطور الوضع على نفس الوتيرة الحالية، فإن خطر الانهيار كبير»، معتبراً أن «هذا هو السيناريو الأسوأ لتطور الوضع».
وقال بوتين إن الأسد يعي أن أحد الأسباب الرئيسية للنزاع القائم في البلاد هو التناقضات الداخلية في المجتمع وإنه يوافق على وضع رقابة دولية صارمة على العملية السياسية في بلاده، كما أنه موافق على تشكيل قيادة فعّالة في سورية تثق بها البلاد بأكملها. وزاد: «المسألة ليست في توسيع السيطرة على هذه الأراضي أو تلك، مع أن هذا مهم جداً، المسألة في تأمين ثقة المجتمع بأكمله، ومجموعات المجتمع المختلفة بعضها ببعض، وتشكيل قيادة معاصرة فعالة على هذا الأساس، يثق بها كل سكان البلاد، ولا يوجد طريق آخر هنا سوى المفاوضات السياسية، نحن دعونا لذلك مرات عدة والرئيس الأسد تحدث عن هذا وموافق على هذه العملية».
وأضاف بوتين: «ما الذي يجب فعله اليوم؟ يجب العمل بنشاط أكبر من أجل إطلاق عملية تشكيل دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على أساسه. عندما كان الرئيس الأسد في موسكو نحن تحدثنا معه عن هذا، وهو وافق تماماً، بل وأكثر من ذلك، ثمة موافقة على الخضوع لرقابة دولية صارمة بمشاركة الأمم المتحدة».
ولفت إلى أنه «يجب التصرف خطوة خطوة وبعناية، لكسب ثقة جميع الأطراف المتنازعة، في حال حدوث ذلك، أعتقد أن هذا سيحدث على كل حال، وكلما كان هذا أبكر كان أفضل، عندها يجب التقدم، الحديث عن الانتخابات التالية والتسوية بشكل كامل».
وحذّر الرئيس الروسي من أنه لا يمكن التوصل إلى ديموقراطية من طريق القوة، معتبراً أنه «لا يوجد هناك طريقة أكثر ديموقراطية من تشكيل الحكومة على أساس الانتخابات وفقاً للقوانين التي تسمّى الدستور». وقال إن روسيا تعوّل على جهود الولايات المتحدة لتشجيع المعارضة السورية على الدخول في حوار بناء مع دمشق. وفي إشارة لافتة، قال بوتين انه «موافق على مقترحات شركائنا، وأولهم الولايات المتحدة، الذين يتحدثون حول هذا، حول ضم ممثلي المعارضة إلى الحكومة. هذا الاقتراح أميركي، وأعتقد أنه مقبول بالمطلق».
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن رهان أطراف غربية على إسقاط الأسد بالقوة قد يسفر عن إغراق المنطقة كلها في فوضى شاملة. ورداً على رسالة وجهها مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية تدعو إلى توجيه غارات ضد الجيش السوري والمساهمة في إسقاط الأسد، قال بيسكوف: «في أي حال من الأحوال لا يمكن لموسكو أن تتعاطف مع الدعوات إلى إسقاط السلطة في دولة أخرى باستخدام القوة. ومن المشكوك فيه أن يساهم إسقاط هذا النظام أو ذاك في إحراز تقدم في محاربة الإرهاب، بل قد يؤدي ذلك إلى تعميم الفوضى المطلقة بالمنطقة».
الحياة