صالح فتى هادئ من مدينة حلب, كان شعلة متوقدة بالذكاء, لدرجة أن معلمته كانت تناديه بالدكتور صالح.
هُجّر مع أهله من مدينة حلب عام 2016, لينتهي بهم المطاف بإحدى مخيمات ريف إدلب. عمل صالح مع أبيه في بيع المثلجات والحلوى, إلى جانب دراسته التي كانت متنفسه ومساحة الراحة الأمل الوحيد في تحقيق حلمه وتغيير واقعه.
كان طالبا في الصف العاشر عندما اختاره القدر ليكتب له مصيرا مؤلما في حادث سير على الطريق العام بين سرمدا والدانا، حين صدمته سيارة مسرعة لترميه على مسافة عدة أمتار جثة لا حراك لها.
تروي والدته لحظة تلقيها خبر وفاته في بادئ الأمر: “أجاني خبر وفاته بالأول وقعت وما عادت رجليي تشيلني .. سجدت لله أشكيه مصابي بلحظتها ركض ابني محمد خبرني انه ما مات هو بالمشفى”.
ارتدت الحياة لقلب أم صالح المسكين, وعادت الدماء تجري في عروقها من جديد.. فجل ما تتمناه أن يبقى ابنها على قيد الحياة, وكل شيء بعد ذلك هين.
لم يمت صالح لكنه بدأ مرحلة من حياته مؤلمة وصعبة بعد خروجه من العناية المركزة ونقله إلى تركيا لإجراء عمل جراحي دقيق في الدماغ.
ذاق صالح مرارة الألم والمكوث في المشفى وحيدا بلا أب وأم وأخوة عدة شهور, يستيقظ على سرير مكبلا بأجهزة طبية وأنابيب التغذية الدوائية والقثطرة البولية, وينام على المسكنات التي لم تخفف من آلامه إلا لساعات في اليوم.
مرت قرابة السنة وقلب أم صالح منفطر على رؤية ابنها, تقول وعيونها تغرق بالدموع: “ما نمت يوم إلا دموعي ع مخدتي قلبي انفطر عليه.. كيف عايش لحاله مع أوجاعه مين عم يحممه يلبسه .. غير نفسيته اللي صارت بالحضيض.. لا علاجه عم يخلص ولا سمحوا الي او لابوه ندخل تركيا نكون جنبه”.
ظل صالح على هذا الحال .. يلمس تحسنا بطيئا في حالته الصحية وتراجعا في حالته النفسية, إلى أن قرر العودة إلى بلده وإتمام علاجه بين أهله, رغم الإمكانيات الضعيفة للعلاج بالداخل.
عاد صالح على كرسي متحرك ليستقبله أهله بكل حفاوة, وها هو الآن بعد سنتين من عودته, مازال يكمل علاجه , ودراسته أيضا في كلية الطب في جامعة حلب الحرة, بعد أن حاز على أعلى الدرجات التي أهلته لدخول الفرع الذي طالما حلم به, ليخطو أول خطوة على قدميه وهو متجه إلى مبنى جامعته, بعد تعثر وألم ومعاناة دامت سنوات, لكنه لم يفقد الأمل.
قصة خبرية/إيمان هاشم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع